الأحد 28 جمادى الآخرة 1446 - 29 ديسمبر 2024
العربية

ما سبب نزول سورة الفتح ؟

409619

تاريخ النشر : 08-01-2023

المشاهدات : 28855

السؤال

ما هو سبب نزول سورة الفتح؟

ملخص الجواب

بيّنت الأخبار الثابتة أن سورة الفتح كان سبب نزولها صلح الحديبية وما اكتنفه من أحداث، فنزلت عقب هذا الصلح، والنبي صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى المدينة. وهذا الذي عليه جماهير السلف وأئمة التفسير. وصلح الحديبية من أعظم الفتوح؛ فقد كان سببا لقوة المسلمين وكثرة عددهم.

الجواب

الحمد لله.

بيّنت الأخبار الثابتة أن سورة الفتح كان سبب نزولها صلح الحديبية وما اكتنفه من أحداث، فنزلت عقب هذا الصلح، والنبي صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى المدينة.

ومن هذه الأخبار ما رواه البخاري (3182)، ومسلم (1785): عن سَهْل بْن حُنَيْفٍ، قَالَ: " كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ، وَلَوْ نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا، فَجَاءَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَسْنَا عَلَى الحَقِّ وَهُمْ عَلَى البَاطِلِ؟ فَقَالَ: بَلَى، فَقَالَ: أَلَيْسَ قَتْلاَنَا فِي الجَنَّةِ وَقَتْلاَهُمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَعَلاَمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا، أَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟ فَقَالَ: يَا ابْنَ الخَطَّابِ، إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أَبَدًا، فَانْطَلَقَ عُمَرُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللَّهُ أَبَدًا".

فَنَزَلَتْ سُورَةُ الفَتْحِ، فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُمَرَ إِلَى آخِرِهَا.

فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَفَتْحٌ هُوَ؟

قَالَ: نَعَمْ ).

وروى البخاري (4177) عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَعُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلًا، فَسَأَلَهُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ عَنْ شَيْءٍ فَلَمْ يُجِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا عُمَرُ، نَزَرْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ لاَ يُجِيبُكَ، قَالَ عُمَرُ: فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي ثُمَّ تَقَدَّمْتُ أَمَامَ المُسْلِمِينَ، وَخَشِيتُ أَنْ يَنْزِلَ فِيَّ قُرْآنٌ، فَمَا نَشِبْتُ أَنْ سَمِعْتُ صَارِخًا يَصْرُخُ بِي، قَالَ: فَقُلْتُ: لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ، وَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ، لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، ثُمَّ قَرَأَ: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) ".

وهذا الذي عليه جماهير السلف وأئمة التفسير.

قال الواحدي رحمه الله تعالى:

" (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا)، اختلفوا في سبب نزول هذه الآية، ومعنى هذا الفتح، فذهب الأكثرون إلى أن الآية نزلت في صلح الحديبية، والمراد بالفتح ذلك الصلح، وهو قول جابر والبراء وأنس في رواية قتادة.

وروي ذلك مرفوعًا وهو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما انصرف من الحديبية وأنزلت عليه هذه السورة قرأها على أصحابه فقال عمر: أوَفتحٌ هو يا رسول الله؟ فقال: ( نعم، والذي نفسي بيده إنه لفتح ).

وروي عن مسور بن مخرمة أنه قال: نزلت بين مكة والمدينة في شأن الحديبية من أولها إلى آخرها.

وهو قول الشعبي، ومجاهد، وابن عباس في رواية الكلبي: قال كان فتحاً بغير قتال، والصلح من الفتح، واختاره الفراء، وقال: الفتح قد يكون صلحا فعلى قول هؤلاء معنى هذا الفتح هو صلح الحديبية، ومعنى الفتح في اللغة: فتح المنغلق. والصلح الذي حصل بينه وبين المشركين في ذلك اليوم، كان مسدوداً عليه متعذرا، حتى فتحه الله ذلك اليوم ويسره، ودخل بعد ذلك ناس كثير في الإسلام حتى قال جابر: ما كنا نعد فتح مكة إلا يوم الحديبية...

وقال الزهري: ما كان في الإسلام فتح أعظم من صلح الحديبية، وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم، فتمكن الإسلام في قلوبهم، وأسلم في ثلاث سنين خلق كثير وكثر بهم سواد الإسلام ." انتهى من"البسيط" (20/ 279-280).

وقال ابن عطية رحمه الله تعالى:

" هذه السورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفه من الحديبية، وفي ذلك أحاديث كثيرة عن أنس وابن مسعود وغيرهما تقتضي صحته وهي بهذا في حكم المدني. " انتهى من"المحرر الوجيز" (5/125).

وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

" التحقيق الذي عليه الجمهور: أن المراد بهذا الفتح صلح الحديبية؛ لأنه فتح عظيم.

وإيضاح ذلك: أن الصلح المذكور هو السبب الذي تهيأ به للمسلمين أن يجتمعوا بالكفار فيدعوهم إلى الإسلام وبينوا لهم محاسنه، فدخل كثير من قبائل العرب بسبب ذلك في الإسلام.

ومما يوضح ذلك أن الذين شهدوا صلح الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة عام ست كانوا ألفا وأربعمائة.

ولما أراد النبي صلى الله عليه وسلم غزو مكة حين نقض الكفار العهد، كان خروجه إلى مكة في رمضان عام ثمان.

وكان معه عشرة آلاف مقاتل.

وذلك يوضح أن الصلح المذكور من أعظم الفتوح؛ لكونه سببا لقوة المسلمين وكثرة عددهم.

وليس المراد بالفتح المذكور فتح مكة، وإن قال بذلك جماعة من أهل العلم.

وإنما قلنا ذلك؛ لأن أكثر أهل العلم على ما قلنا، ولأن ظاهر القرآن يدل عليه؛ لأن سورة الفتح هذه نزلت بعد صلح الحديبية في طريقه صلى الله عليه وسلم راجعا إلى المدينة " انتهى من "أضواء البيان" (7/ 639–640).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب