الثلاثاء 2 جمادى الآخرة 1446 - 3 ديسمبر 2024
العربية

هل صحيح أن هناك خمسة أماكن هي مأوى للشياطين؟

419559

تاريخ النشر : 27-04-2023

المشاهدات : 38139

السؤال

نريد معرفة صحة هذا الكلام من عدمه، خمسة أماكن في بيتك تسكنها الشياطــين، فتعامل معها بحذر شديد. أولا: الفراش الذي لا ينام عليه أحد لمدة طويلة، والفراش مبسوط، هذا الفراش سيستقله الشيطان، ويسكنه، وهذا ثابت في السنة. ولذلك وجب طي الفراش، وتنفيضه، أو رش ماء مقروء عليه قرآن كل يومين أو ثلاث. ثانيا: الحمام، والكل يعلم هذا الأمر، ويعتبر شيطان الحمام من أخبث الشياطين على الإطلاق؛ لذلك وجب التحصن عند دخل الحمام، وعدم الكلام داخله. ثالثا: الثياب المعلقة لفترة طويلة دون لبسها أو تنظيفها، وبما في ذلك التي تكون داخل الدولاب. ومعظمنا يفضل تعليق الثياب لتكون جاهزة، وللتحصن من أي ضرر رش عليها ماء مقروء عليه القرآن بين الفترة والأخرى، أو افتح الدولاب واقرأ الفاتحة وآية الكرسي. رابعا: التماثيل المجسمة، وهي التماثيل المنحوتة على هيئة إنسان أو حيوان، وفي الأصل أن هذه التماثيل تمنع دخول الملائكة إلى البيت، ويختبىء وراءها الشيطان. خامسا: مكان إشعال النار والمواقد، وهو مكان محبب للشياطين؛ لأنها مخلوقة من نار، لذلك تعهد ذكر الله تعالى كلما اقتربت من النار لإشعالها.

الجواب

الحمد لله.

أولا:

بالنسبة للمواقد فلا نعلم ما يدل على أنها مأوى للشياطين، ولم نقف على حديث أو أثر في ذلك المعنى.

ثانيا:

وكذا التماثيل، لا نعلم ما يدل على أن الشيطان يختفي وارءها، ويأوي خلفها، لكن لا شك أن أماكن المعاصي من شأن الشيطان أن يتواجد فيها؛ لأنها توافق طبعه وعمله.

ثالثا:

وأما لبس الشياطين للألبسة المعلقة، فالخبر فيه لا يصح.

روى الطبراني في "المعجم الأوسط" (6/31)، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ: حدثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْوَلِيدِ الْبَجَلِيُّ قَالَ: حدثَنَا يَحْيَى بْنُ كَهْمَسٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اطْوُوا ثِيَابَكُمْ تَرْجِعُ إِلَيْهَا أَرْوَاحُهَا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا وَجَدَ الثَّوْبَ مَطْوِيًّا لَمْ يَلْبَسْهُ، وَإِذَا وَجَدَهُ مَنْشُورًا لَبِسَهُ).

ثم قال الطبراني: " لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ إِلَّا عُمَرُ بْنُ مُوسَى بْنِ وَجِيهٍ، وَلَا يُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ" انتهى.

وهو حديث موضوع؛ لأن فيه عُمَرُ بْنُ مُوسَى بْنِ وَجِيهٍ، وهو موصوف بالوضع.

قال الهيثمي رحمه الله تعالى:

"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه عمر بن موسى بن وجيه، وهو وضاع" انتهى من "مجمع الزوائد" (5/135).

وقال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:

" عمر بن موسى بن وجيه، الوجيهي، الكوفي، ويقال الشامي، يروي عن: أبي الزبير، والزهري، والقاسم بن محمد.

قال يحيى: ليس بثقة. وقال أبو حاتم الرازي: متروك الحديث، كان يضع الحديث. وقال النسائي، وعلي بن الجنيد، والدارقطني: متروك. وقال ابن عدي: هو في عداد من يضع الحديث متنا وإسنادا. وقال ابن حبان: يروي المناكير عن المشاهير كثيرا، فاستحق الترك" انتهى من "الضعفاء والمتروكين" (2/217).

وروى ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (37/338): عن ياسين بن معاذ، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الشياطين يستمتعون بثيابكم، فإذا نزع أحدكم ثوبه فليطوه حتى ترجع إليها أنفاسها، فإن الشيطان لا يلبس ثوبا مطويا ).

وفي إسناده ياسين بن معاذ، وهو متروك الحديث.

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

" ياسين بن معاذ الزيات، عن الزهري، تركه النسائي وغيره " انتهى من "المغني" (2/729).

وقد حكم عليه الشيخ الألباني بأنه: موضوع. كما في "السلسلة الضعيفة" (12/831).

وراجع لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم: (212916 ).

رابعا:

وأما حديث الفراش فهو صحيح، فقد رواه الإمام مسلم (2084) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: (فِرَاشٌ لِلرَّجُلِ، وَفِرَاشٌ لِامْرَأَتِهِ، وَالثَّالِثُ لِلضَّيْفِ، وَالرَّابِعُ لِلشَّيْطَانِ).

قال القاضي عياض رحمه الله تعالى:

"(وَالرَّابِعُ لِلشَّيْطَانِ): يريد أن ما زاد على الحاجة فاتخاذه إنما هو للمباهاة والاختيال، وما لبس للتزين لا من ضرورة الحياة الدنيا فهو من المكروه المذموم، وكل مذموم مضاف للشيطان.

وقد يحتمل أن يكون على وجهه، وأنه إذا كان هنا متخذا لغير حاجة، كان للشيطان عليه مبيت ومَقيل، كما له في البيت إذا لم يسم الله عند دخوله، وفى الطعام عشاء إذا لم يسم الله عليه..." انتهى من "إكمال المعلم" (6/597).

وقال ابن رسلان: "(والرابع للشيطان) قال العلماء: معناه أن ما زاد على الحاجة فاتخاذه إنما هو للمباهاة والاختيال والالتهاء بزينة الدنيا، وما كان بهذِه الصفة فهو مذموم يضاف إلى الشيطان؛ لأنه الداعي إليه بوسوسته.

وقيل: إنه على ظاهره وأنه إذا كان لغير حاجة كان للشيطان عليه مبيت، كما أنه يستبيح النوم في البيت لا يذكر اللَّه صاحبه عند دخوله عشاء والأكل من الطعام الذي لا يذكر اسم اللَّه عليه.

وهذا الحديث إنما جاء مبينًا لعائشة ما يجوز للإنسان أن يتوسع فيه ويترفه به من الفرش، إلا أن الأفضل أن يكون فراش واحد له ولزوجته، فقد كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يكن له إلا فراش واحد في بيت عائشة ينامان عليه ليلًا ويجلسان عليه بالنهار" انتهى، من "شرح سنن أبي داود" (16/441).

وكذا حديث الخلاء، فقد رواه أبو داود (6)، وابن ماجه (296): عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ، فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْخَلَاءَ فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ).

وصحح إسناده الشيخ الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (1/26)، وقال:

" إسناده صحيح على شرط البخاري. وكذلك قال الحاكم ووافقه الذهبي" انتهى.

وكذا صحح إسناده محققو سنن ابن ماجه.

قال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى:

" ومعنى (مُحْتَضَرَةٌ) أي تحضرها الشياطين، وتنتابها" انتهى من "معالم السنن" (1/10).

خامسا:

مما ينبغي على المسلم أن يكون دائم الذكر لرب العالمين، محصنا نفسه من الشيطان وكيده ووسوسته، ومحصنا أهل بيته بذكر الله جل جلاله، على ما جاءت به السنة من الأذكار الموظفة على كل حال ؛ لكن ينبغي عليه أيضا أن لا يغلو في الخوف من أذى الشيطان الجسدي، وأن لا يغلو في مباشرة الأسباب، بل يستحضر المسلم توكله على الله تعالى، ويباشر الأسباب باعتدال.

فنبينا صلى الله عليه وسلم هو الذي أخبرنا بأماكن الشياطين، وهو الذي أرشدنا إلى كيفية تجنب أذاها، وذلك بالمداومة على أذكار اليوم والليلة،  ولم يرشدنا إلى القراءة على الماء ورشه.

قال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى:

" كل واحد من الاحترازين؛ أعني: الديني والدنيوي: المحمود منه مقدار معلوم، متى جاوزه الإنسانُ، خرج في حيّز الذم، فالاحتراز في الطهارات: يُحْمد منه الورع، والإفراط في ذلك يخرج إلى حد الوسوسة والغلوّ في الدين، وكذلك الاحتراز عن المؤذيات الدنيوية، يُخرِج إفراطُه إلى ضعف التّوكّل، وشدة الإغراق في التعلُّق بالأسباب، وهو مذموم، و (قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) " انتهى من "شرح الإلمام" (2/ 585–586).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب