الحمد لله.
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النعي ، والمراد من هذا النهي ما كان أهل الجاهلية يفعلونه ، حيث كانوا يرسلون من يعلن موت الميت رافعاً صوته بذلك ، ولذلك ذهب جمهور العلماء إلى أن النعي إذا تضمن رفعاً للصوت كان منهيا عنه .
وذهب جماعة من الحنفية إلى أنه لا يكره النداء على الميت في الأزقة والأسواق إذا كان نداء مجرداً عن ذكر المفاخر .
قالوا : لأن في ذلك تكثيراً لجماعة المصلين والمستغفرين للميت ، وليس مثله نعي الجاهلية ، فإنهم كانوا يبعثون إلى القبائل ينعون مع ضجيج وبكاء وعويل وتعديد ونياحة .
وأجيب عن هذا بأن مقصود تكثير الجماعة من المصلين والمستغفرين للميت يمكن حصوله دون النداء ورفع الصوت .
ثم إن رفع الصوت في الإعلام بموت الميت يشبه من حيث الصورة نعي الجاهلية الذي ورد النهي عنه .
انظر : "العناية شرح الهداية" (3/267) ، "فتح القدير" (2/128) ، "الخرشي على مختصر خليل" (2/139) ، "المهذب" (1/132) ، "الشرح الكبير" (6/287) ، "فتح الباري" (3/117) .
قال الصنعاني في "سبل السلام" (1/482) :
" وفي النهاية : والمشهور في العرب أنهم كانوا إذا مات فيهم شريف أو قتل بعثوا راكبا إلى القبائل ينعاه إليهم ، يقول : نعاء فلانا أو يا نعاء العرب ، هلك فلان أو هلكت العرب بموت فلان .
ثم قال الصنعاني : ويقرب عندي أن هذا هو المنهي عنه ، ومنه : النعي من أعلى المنارات كما يعرف في هذه الأمصار في موت العظماء " انتهى .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله في بيان ما يحرم على أقارب الميت :
الإعلان عن موته على رؤوس المنائر ونحوها ؛ لأنه من النعي ، وقد ثبت عن حذيفة بن اليمان أنه : كان إذا مات له الميت قال : لا تؤذنوا به أحداً ، إني أخاف أن يكون نعياً ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النعي ...
والنعي لغة : هو الإخبار بموت الميت ، فهو على هذا يشمل كل إخبار ، ولكن قد جاءت أحاديث صحيحة تدل على جواز نوع من الإخبار ، وقيد العلماء بها مطلق النهي ، وقالوا : إن المراد بالنعي الإعلان الذي يشبه ما كان عليه أهل الجاهلية من الصياح على أبواب البيوت والأسواق ... .
وقال الحافظ : " وفائدة هذه الترجمة الإشارة إلى أن النعي ليس ممنوعاً كله ، وإنما نهى عما كان أهل الجاهلية يصنعونه ، فكانوا يرسلون من يعلن بخبر موت الميت على أبواب الدور والأسواق " .
قلت (الألباني) : وإذا كان هذا مسلَّما : فالصياح بذلك على رؤوس المنائر يكون نعياً من باب أولى ، ولذلك جزمنا به ، وقد يقترن به أمور أخرى هي في ذاتها محرمات أخر ، مثل أخذ الأجرة على هذا الصياح ! ومدح الميت بما يعلم أنه ليس كذلك ، كقولهم : " الصلاة على فخر الأماجد المكرمين ، وبقية السلف الكرام الصالحين ! " .
"أحكام الجنائز" ( ص 44– 46 ) باختصار .
هذا إذا كان المقصود من السؤال إشهار النعي على المنائر بمكبرات الصوت .
إما إذا كان المقصود من ذلك مجرد إعلام المصلين في المسجد من غير رفعٍ للصوت ، فلا حرج في ذلك إن شاء الله ، وهذا يشبه ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بعد موت النجاشي ، حيث أعلم بموته الصحابة ونعاه من أجل الصلاة عليه .
روى البخاري (1333) ومسلم (951) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ ، وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ . وفي رواية للبخاري (1328) ( نَعَى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجَاشِيَّ صَاحِبَ الْحَبَشَةِ يَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ ، فَقَالَ : اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ ) .
قال النووي في "شرح مسلم" :
" فِيهِ : اِسْتِحْبَاب الإِعْلام بِالْمَيِّتِ لا عَلَى صُورَة نَعْي الْجَاهِلِيَّة , بَلْ مُجَرَّد إِعْلام للصَّلاة عَلَيْهِ وَتَشْيِيعه وَقَضَاء حَقّه فِي ذَلِكَ , وَاَلَّذِي جَاءَ مِنْ النَّهْي عَنْ النَّعْي لَيْسَ الْمُرَاد بِهِ هَذَا , وَإِنَّمَا الْمُرَاد نَعْي الْجَاهِلِيَّة الْمُشْتَمِل عَلَى ذِكْر الْمَفَاخِر وَغَيْرهَا " انتهى .
وانظر السؤال (60008) .
والله أعلم .
تعليق