الأربعاء 12 جمادى الأولى 1446 - 13 نوفمبر 2024
العربية

هل حياة قناديل البحر الثانية تعارض ما جاء في السنة من أن الموت لا دواء له؟

424885

تاريخ النشر : 06-08-2023

المشاهدات : 3613

السؤال

هناك حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونصه: (ما أنزل الله من داء إلا به دواء، إلا الموت)، وفي بعض الروايات (الهرم)، ولكن هناك نوعا من قناديل البحر إذا وصل إلى عمر معين، وشعر أنه سيموت، يقوم بتقليص نفسه إلى بويضة، ويبدأ دورة حياة أخرى، فالطريقة الوحيدة لقتله هي: أن يأكله حيوان آخر، فكما ترون هناك تعارض في موضوع أن الهرم ليس له دواء، فهذا المخلوق لا يموت مهما كبر سنه، أرجو منكم التوفيق بين الحديث والحقيقة العلمية.

الجواب

الحمد لله.

أولًا:

أما الحديث المسؤول عنه فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ مَعَهُ شِفَاءً إِلَّا الْهَرَمَ  رواه ابن ماجه (3436)، وأحمد (18455) وغيرهما.

قال الصنعاني: "وفي الحديث الإرشاد إلى التداوي، وأنه لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دفع ذا الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا باستعمال الأسباب التي جعلها الله مقتضيات لمسبباتها قدرًا وشرعًا، فإن تركها عجز ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه.

وفي هذا الإخبار تقوية لنفس المريض وترويح لخاطره، وحث للطبيب على التفتيش والبحث على طلب الدواء، فإن المريض إذا علم أن لدائه دواء قويت طبعته وانبعثت الحرارة الغريزية" انتهى، من"التنوير شرح الجامع الصغير" (3/279).

 ثانيًا:

الحالة العلمية التي تقصدها، هي ما يعرف عن قناديل البحر من فصيلة قنديل البحر الخالد، واسمها العلمي "توريتوبوسيس دورناي"، في طور النضوج، وأنها تهبط إلى قاع المحيط وتبدأ في التحلل.

لكن العجيب أن خلاياها تتجمع مرة أخرى، لتطور قناديل بحرية جديدة، لا في طور الميدوزا، ولكن في طور البوليب مباشرة، وتخرج من هذه البوليبات قناديل بحر جديدة، إذ تعود قناديل البحر من مرحلة النضج إلى المرحلة الأولى من حياتها، في صورة بوليب لتبدأ حياتها من جديد.

ثالثًا:

لا دليل على أن هذه الحالة لا موت فيها، بل الواقع أنها موت، ثم عودة للحياة مرة أخرى، وهذه العودة هي بإذن الله وتقديره؛ وتشبه ما يحصل في عالم النبات من موت النبتة، وتحولها إلى بذرة، ثم عودة الحياة لهذه البذرة، وإنباتها مرة أخرى، وأنت إذا تصورت دورة حياة النبتة يمكنك أن تقول إنها ماتت، ثم عادت للحياة عن طريق جزء منها، وهذا هو نفس ما يحدث لقنديل البحر هذا، فليس هذا خلودًا حقيقيًا، بل هو دورة حياة جديدة ترتكز الحياة الثانية على شيء من الحياة الأولى، هذا الشيء في حالة النبات هو البذرة، وفي حالة قنديل البحر هو بعض الخلايا المتبقية من الدورة الأولى.

رابعًا:

سبق أنه لا دليل على أن ما يحدث في حالة قنديل البحر هو حياة متصلة لا موت فيها؛ بل مآل هذا القنديل، هو مآل الخلائق كلها: "الموت"؛ إما بأن يأكله حيوان آخر، أو بغير ذلك من أسباب الموت، الذي لا بد منه للخلائق كلها؛ ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ) الرحمن/26

وقد ورد الحديث بلفظ آخر للمستثنى، جاء فيه :  مَا مِنْ دَاءٍ، إِلَّا فِي الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ مِنْهُ شِفَاءٌ، إِلَّا السَّامَ رواه البخاري (5688)، ومسلم (2215)، واللفظ له.

قال الحافظ ابن حجر، رحمه الله: "واستثناء الموت واضح؛ ولعل التقدير: إلا داء الموت، أي: المرض الذي قدر على صاحبه الموت.

واستثناء الهرم في الرواية الأخرى: إما لأنه جعله شبيها بالموت، والجامع بينهما نقص الصحة. أو لقربه من الموت، وإفضائه إليه.

ويحتمل أن يكون الاستثناء منقطعا، والتقدير: لكن الهرم لا دواء له". انتهى، باختصار يسير، من "فتح الباري" (10/136).

خامسًا:

ورد في نص التقرير العلمي الذي نشرته (BBC) عن هذا الأمر، لفظة الموت مرتين، الأولى في قولهم: "إلا أن الإثارة الحقيقية تبدأ بعد موت قناديل البحر، فعندما تموت قناديل البحر من فصيلة قنديل البحر الخالد". والثانية في قولهم: "وعندما مات قنديل البحر، احتفظ الطالب بجسمه في حوض آخر، وبعد ثلاثة أشهر، انبثقت من قمة جسم قنديل البحر القمري، بوليبات صغيرة جديدة. ولوحظت عملية التجديد الطبيعي تلك في نحو خمسة أنواع من قناديل البحر".

وهذا يدلك على أن ما أمامنا هنا هو دورة حياة ، يتوسطها موت ، لكنها تختلف عن دورات الحياة الأخرى، في أن الحياة الثانية تنبثق من بقايا الحياة الأولى، وهذا لا إشكال فيه.
والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب