الحمد لله.
لقد فتح الله جل وعلا لعباده كثيرًا من أبواب الخير؛ من الذكر والدعاء والتهليل والتسبيح والتحميد ، وأعطى على ذلك الفضل العظيم والثواب الجزيل .
ومن ذلك ما روى البخاري (3293) ومسلم (2691) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ ؛ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ ، وَكُتِبَ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ ، إِلَّا رَجُلٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْهُ ) .
ومعنى : (عدل عشر رقاب) ؛ أي : ثواب عتق عشر رقاب ، وهو جمع رقبة .
( ومُحيت )؛ أي: أُزيلَت.
( وكانت له حِرْزًا ) ؛ أي : حفظًا ومنعًا.
أما قوله : ( ولم يأتِ أحدٌ بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه ) أي : لا يكون أحد أفضل عملا من الذي قال هذا الذكر ، إلا من قال هذا الذكر أزيد من مائة مرة .
ويحتمل أن تراد الزيادة من غير هذا الجنس من الذكر وغيره ، أي : إلا أن يزيد أحد عملا آخر من الأعمال الصالحة .
ففي "كتاب المسالك في شرح موطأ مالك" (3/427):
" قوله : ( إلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ) هو تنبيهٌ على أنّ هذه الغاية في ذِكْرِ الله تعالى ، وأنّه قلَّ من يزيد عليه ، ولذلك قال : ( وَلمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ ممّا جاءَ بهِ ) ولو لم يُفِد ذلك لبَطَلَت فائدة الكلام ؛ لأَنّ كلَّ ما أتَى الإنسانُ ببعضه فإن أحدًا لا يأتي بأفضل ممّا جاء به ، إلَّا من جاء بأكثر من ذلك ، ولكنه أفاد بذلك أنّ هذا غاية في بابه .
ثم قال: ( إِلاَّ رَجُلٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذلك )، لئَلّا يظنّ السّامع أنَّ الزِّيادةَ على ذلك ممنوعة كَتَكْرَارِ العمل في الوُضوءِ.
ووجه ثانٍ: وهو أنّه يحتمل أنّ يُريدَ أنّه لا يأتي أحدٌ من سائر أبواب البِرِّ بأفضل ممّا جاء به ، ( إلّا رجلٌ عمل أكثر من ذلك ) أي من عمله " انتهى.
وقال الصنعاني : " قوله : ( عمل أكثر منه ) أقول : فيه دليل على أن من أتى بالذكر المذكور أكثر من مائة مرة، كان له الأجر على المائة ، وأجر آخر على الزيادة ، وأنه ليس هذا من الحدود والمقادير التي نهي عن زيادتها ، فإن زيادتها لا فضل فيها أو تبطلها ، كالزيادة في عدد الركعات .
ويحتمل أن يراد بالزيادة من أعمال الخير ، لا من التهليل .
ويحتمل أن المراد مطلق الزيادة من تهليل وغيره ، وهذا الاحتمال أظهر . كذا قيل " انتهى من "كتاب التحبير لإيضاح معاني التيسير" (4/294).
وفي مرقاة المفاتيح (4/596) :
" ( ولم يأت أحد ) أي : يوم القيامة ( بأفضل مما جاء به ) أي : بأي عمل كان من الحسنات. وقال ابن حجر : أي أكثر من الذكر الذي جاء به " انتهى .
وعليه : فليس المعنى أن من قال هذا الذكر أو زاد عليه أجره أعظم من أجر الصلاة والصوم والحج ، وإنما المعنى - فيما يظهر - أنه من أفضل أنواع الذكر ، ولن يأتي أحد يوم القيامة بذكر أفضل منه ، إلا من زاد عليه عددًا أو نوعًا آخر من أنواع الذكر ، أو طاعة أخرى هي أجل وأثقل في الميزان منه، على القول الآخر في معنى الحديث.
والله أعلم.
تعليق