الحمد لله.
فإن الرافضة قوم خصمون ، فهم يثيرون الشبهات الواهية ، ويهولونها حتى يجعلوها حقائق ، ثم يرمونها أمام العامة ليحاجوهم بها ، لكن من وهبه الله تعالى فقها في دينه ، وسؤالا لأهل العلم ، فإنه لا شك سينكشف له زيف شبهاتهم ، وتهافت حججهم ، ومن ذلك الشبهة التي ذكرها السائل ، والجواب عن هذه الشبهة من وجوه :
أولا : أن الرافضة يستدلون بهذا الحديث ، ويوردون هذا الاستدلال الذي ذكره السائل ، ليتوصلوا به إلى أن أبا بكر رضي الله عنه قد أغضب فاطمة حين منعها ما طلبته من ميراث النبي صلى الله عليه وسلم ، وإذا كان الأمر كذلك ، فإن أبا بكر قد أغضب فاطمة ، وبالتالي قد أغضب النبي صلى الله عليه وسلم ، وبالتالي قد أغضب الله !! ، وهذا من جهلهم وسفههم ، إذ إن الحديث وارد أصلا في حق علي رضي الله عنه وأرضاه ، فقد روى البخاري ومسلم عن المسور بن مخرمة أنه قال :" إن عليا خطب بنت أبي جهل ، فسمعت بذلك فاطمة فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك ، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسمعته حين تشهد يقول : أما بعد ، أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدثني وصدقني ، وإن فاطمة بضعة مني وإني أكره أن يسوءها ، والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله عند رجل واحد ، فترك علي الخطبة " وفي رواية للبخاري " فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني " [ البخاري رقم 3523 ، 3556 ، ومسلم برقم 2449 ] ، وبالنظر إلى الراوية السابقة يتبين أنه إن كان سيلحق الذم أحدا ، فإنه سيلحق عليا رضي الله عنه ، إذ إن سبب ورود الحديث السابق هو رغبته في خطبة بنت أبي جهل ، وحينها غضبت فاطمة رضي الله عنها ، وقد تقرر عند الأصوليين أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، لكن تقرر عندهم أيضا أن السبب داخل دخولا أوليا في النص ، ولا يمكن أن يخرج عنه بحال ، فإذا كان الرافضة يريدون أن يستدلوا بهذا الحديث على ذم أبي بكر رضي الله عنه ، فإنه من جهلهم وتلبيسهم كتموا أن هذا الذم – إن كان حاصلا – فإنه سيلحق عليا رضي الله عنه أولا .
ثانيا : أن الغضب الوارد في الحديث ، ورد على سبب معين ذكر سابقا ، وهو يفيد بأن الغضب ليس لأن فاطمة معصومة أو نحو ذلك مما يدعيه الرافضة ، بل لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصا على مشاعر ابنته ، فكان ما يغضبها يغضبه صلى الله عليه وسلم ، ويدل لهذا ما جاء في رواية مسلم " إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها " ، فهذه أذية لشخص النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا علاقة للأمر بالعصمة كما يدعي ذلك الرافضة .
ثالثا : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أحاديث صحيحة أخرى :" من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني " [ رواه البخاري برقم 6718 ، ومسلم برقم 1835 ] ، وهذا بالاتفاق – حتى عند الرافضة – لا يقتضي أن يكون الأمير معصوما ، بل إن بعض الأمراء الذين أرسلهم النبي صلى الله عليه وسلم قد أخطؤوا في أمور يعلم مخالفتها لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك ما ثبت عن علي رضي الله عنه قال :" بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية فاستعمل عليها رجلا من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه ، فغضب فقال : أليس أمركم النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني ؟ قالوا : بلى ، قال فاجمعوا لي حطبا ، فجمعوا فقال : أوقدوا نارا فأوقدوها ، فقال ادخلوها فهمُّوا ( أي فكّروا أن يدخلوها ) وجعل بعضهم يمسك بعضا ويقولون فررنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من النار فما زالوا حتى خمدت النار فسكن غضبه ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة الطاعة في المعروف " [ رواه البخاري برقم 4085 ، ومسلم برقم 1840 ] ، ولهذا قيد النبي صلى الله عليه وسلم هذه الطاعة بالمعروف ، وهكذا إذا كان غضب فاطمة من غضب الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإنه بالاتفاق مقيد بالمعروف ، فإذا كان غضب فاطمة في مقابل شرع الله تعالى ، فإن المعروف هو في تطبيق شرع الله تعالى ، وإن كان فيه غضب فاطمة ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم :" لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " ، وقال صلى الله عليه وسلم :" ... ويا فاطمة بنت محمد اشتريا أنفسكما من الله لا أملك لكما من الله شيئا سلاني من مالي ما شئتما " ، وهذا يقتضي أنه لا عصمة لها . [ وانظر منهاج السنة النبوية 4 / 250 ]
تعليق