الثلاثاء 23 جمادى الآخرة 1446 - 24 ديسمبر 2024
العربية

إشكال حول قصة جلوس النبي صلى الله عليه وسلم بين فاطمة وعلي في فراش نومهما!

439006

تاريخ النشر : 08-03-2023

المشاهدات : 7428

السؤال

اعتذر مقدما عن سؤالي، والذي قد يوحي بقلة أدب مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولكني والله أشهد بأنه خير البشر، وأحسنهم خلقا، ولكن الموضوع يقتحم عقلي حتى أرهقني، فأرجو أن تفيدوني، فقد أشكل علي فهم جزء حديث، وأرجو أن تشرحوه لي، كنت اقرا في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فوقفت عند حديث علي رضي الله عنه: " أن فاطمة عليها السلام شكت ما تلقى في يدها من الرحى، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادماً، فلم تجده، فذكرت ذلك لـعائشة، فلما جاء أخبرته، قال: فجاءنا، وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبت أقوم، فقال: (مكانك)، فجلس بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري، فقال: (ألا أدلكم على ما هو خير لكما من خادم؟ إذا أويتما إلى فراشكما أو أخذتما مضاجعكما فكبرا أربعاً وثلاثين، وسبحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين فهذا خير لكما من خادم). سؤالي هو: كيف جلس النبي بين علي وفاطمة حتى وجدت برد قدميه على صدرها؟ والله إني خجل من سؤالي، ولكني أريد أن أتخلص من الوسواس، والفكرة لا تنفك من رأسي، وأحاول تشتيتها لكن تعود إلي.

الجواب

الحمد لله.

روى البخاري (3705)، ومسلم (2727) عَنِ ابْن أَبِي لَيْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ: " أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ، شَكَتْ مَا تَلْقَى مِنْ أَثَرِ الرَّحَا، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ، فَانْطَلَقَتْ فَلَمْ تَجِدْهُ، فَوَجَدَتْ عَائِشَةَ فَأَخْبَرَتْهَا، فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ بِمَجِيءِ فَاطِمَةَ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْتُ لِأَقُومَ، فَقَالَ: (عَلَى مَكَانِكُمَا).

فَقَعَدَ بَيْنَنَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِي، وَقَالَ:

(أَلاَ أُعَلِّمُكُمَا خَيْرًا مِمَّا سَأَلْتُمَانِي، إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا تُكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ، وَتُسَبِّحَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَتَحْمَدَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ).

هذا الحديث يثبت جواز أن يجلس الرجل في فراش ابنته بينها وبين زوجها بعد الاستئذان.

قال ابن هبيرة رحمه الله تعالى:

" في هذا الحديث من الفقه جواز الجلوس بين الابنة وزوجها، وفيه إسقاط لغيرة الجاهلين من مثل هذا " انتهى من "الإفصاح عن معاني الصحاح" (1/255).

لكن بشرط أن لا يرى عورتهما ولا يلمسها.

فقد نهى الشرع عن النظر إلى عوارت الناس أو لمسها.

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، وَلَا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَلَا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ) رواه مسلم (338).

قال النووي رحمه الله تعالى:

" تحريم نظر الرجل إلى عورة الرجل، والمرأة إلى عورة المرأة، وهذا لاخلاف فيه، وكذلك نظر الرجل إلى عورة المرأة ، والمرأة إلى عورة الرجل حرام بالإجماع.

ونبه صلى الله عليه وسلم بنظر الرجل إلى عورة الرجل على نظره إلى عورة المرأة وذلك بالتحريم أولى، وهذا التحريم في حق غير الأزواج ...

وأما قوله صلى الله عليه وسلم : (ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد وكذلك في المرأة مع المرأة) ؛ فهو نهي تحريم إذا لم يكن بينهما حائل، وفيه دليل على تحريم لمس عورة غيره بأي موضع من بدنه كان، وهذا متفق عليه، وهذا مما تعم به البلوى ويتساهل فيه كثير من الناس " انتهى من "شرح صحيح مسلم" (4 / 30 — 31).

وحديث جلوس النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد فيه أنه رأى عورة أحدهما، أو لمسهما.

قال ابن رسلان رحمه الله تعالى:

" ( فجاء فَقَعَدَ بَيْنَنَا ) ومد رجليه؛ فوصلت قدماه إلى صدرها مع حائل ( حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِي ) وقعود النبي صلى اللَّه عليه وسلم بين ابنته وعلي دليل على جواز مثل ذلك، وأنه لا يعاب على من فعله إذا لم يؤد ذلك إلى الاطلاع على عورة أو شيء ممنوع منه شرعًا " انتهى من "شرح سنن أبي داود" (19/ 281).

وعبارة: ( حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِي ).

الضمير في ( وَجَدْتُ ) عائد إلى المتكلم وهو علي رضي الله عنه، فالصدر هنا هو صدر علي رضي الله عنه، وليس صدر فاطمة رضي الله عنها، وصدر الرجل ليس بعورة.

وبعد؛ فليس في الحديث إشكال يستدعي السؤال أصلا، فضلا عن أن يلح عليك السؤال، فضلا عن أن يرهق عقلك!!

والحقيقة: أن جواب هذا السؤال، أو حتى الإشكال، ليس هو الذي يريحك من هذا الإرهاق؛ بل الذي يريحك هو "ألا تستجيب" لهذه الوساوس، وأن تتلهى عنها بالكلية، وإذا بلغت بك الوساوس مبلغ "المرض" فينبغي أن تتعالج نفسيا عند طبيب مختص، ثقة، فهذا هو أصل المشكلة؛ وإلا، فمجرد الجواب هنا، سوف يتبعه تساؤل جديد، وإشكال مختلف، وإرهاق، ربما أشد عبئا على أعصاب.

وانظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (411605).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب