الجمعة 19 جمادى الآخرة 1446 - 20 ديسمبر 2024
العربية

هل يجوز إبدال السين صادا في كلمات القرآن مطلقا؟

439174

تاريخ النشر : 08-03-2023

المشاهدات : 15748

السؤال

رأيت كلاما للشيخ ابن عثيمين عن تبديل السين بالصاد في القرآن، وأنهما يتناوبان، فهل يكون تناوب السين بدل الصاد أو العكس دائما جائز، أم هناك حالات فقط؟

ملخص الجواب

ما قاله العلماء في إبدال السين صادا، في مواضعه التي ذكروها: لا يعني أنك إذا صادفت سينا في القرآن، ولو كان بالصفة التي فسروا بها قلبها صادا، لم يكن لك أن تقلبها من عند نفسك؛ إذا لم ترد بها الرواية؛ كما أنهم لم يقلبوها صادا في "بسطة" التي في سورة "البقرة"، وقلبوها في الأعراف؛ لأنها هكذا قرئت؛ وليس لك أن تقرأ من عند نفسك، بما لم تسمعه من شيخٍ ثقةٍ مجازٍ، يقرئك القرآن بها، ويعلمك كيف تتلوه؛ فتنبه، واحذر الغلط!!

الجواب

الحمد لله.

أولًا :

ما ذكر في السؤال هو من باب الإبدال ، والإبدال : "‌إقامة ‌حرف ‌مكان حرف، مع الإبقاء على سائر أحرف الكلمة " ، انتهى ، " شرح شافية ابن الحاجب " (3/ 197).

والإبدال من الظواهر الصوتية الشائعة في اللغات المعروفة ، وقد نص علماء العربية على ذلك ، وذكروا له نظائر من العربية ، وذكروا له عللًا .

"الكتاب" لسيبويه (4/ 478)، "جمهرة اللغة" (1/ 51)،  " المزهر في علوم اللغة وأنواعها " (1/ 156).

وانظر للأهمية، والتفصيل في شروط الإبدال: " تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد " (10/ 5243).

 وقد نقل الأزهري: " قَالَ الفرّاء فِي قَول الله جلّ وعزّ: ( أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ ‌الْمُسَيْطِرُونَ ) الطّور/ 37 ، قَالَ: ‌المصَيْطرون كتَابَتهَا بالصَّاد، وقراءتُها بالسّين وبالصاد. ومثلُه قَوْله: ( مُذَكِّرٌ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ ) الغاشية/ 22 ، ومثلُه: ( بَسْطَةً ) الْبَقَرَة/ 247 ، و ( بَصْطة ) كُتب بَعْضهَا بالصَّاد وَبَعضهَا بِالسِّين ، وَالْقِرَاءَة بالسِّين .

وَقَالَ الزّجّاج: ‌المسيطِرون : الأرباب المسلطون ؛ يُقَال: قد تَسيطَر علينا، وتصيطر، بِالسِّين وَالصَّاد ، وَالْأَصْل السّين.

وكلّ سين بعدَها طاءٌ يجوز أَن تُقلبَ صاداً ، نقُول : سَطْر وصَطَر ، وسَطَا عَلَيْهِ ، وصَطَا " ، انتهى .

" تهذيب اللغة " (12/ 230).

وقال " ابن الجزري " عن الرسم: " فانظر كيف كتبوا ( الصراط ) و( المصيطرون ) بالصاد المبدلة من السين ، وعدلوا عن السين التي هي الأصل، لتكون قراءة السين وإن خالفت الرسم من وجه، ‌قد ‌أتت ‌على ‌الأصل؛ ‌فيعتدلان ، وتكون قراءة الإشمام محتملة ، ولو كتب ذلك بالسين على الأصل لفات ذلك، وعدت قراءة غير السين مخالفة للرسم والأصل ، ولذلك كان الخلاف في المشهور في (بسطة) الأعراف، دون (بسطة) البقرة : لكون حرف البقرة كتب بالسين ، وحرف الأعراف بالصاد.

على أن مخالف صريح الرسم في حرف مدغم أو مبدل أو ثابت أو محذوف أو نحو ذلك، لا يعد مخالفًا، إذا ثبتت القراءة به، ووردت مشهورة مستفاضة . ألا ترى أنهم لم يعدوا إثبات ياءات الزوائد، وحذف ياء (تسئلني) في الكهف، وقراءة (وأكون من الصالحين) والظاء من (بضنين) ونحو ذلك: من مخالفة الرسم المردود ، فإن الخلاف في ذلك يُغتفر ، إذ هو قريب يرجع إلى معنى واحد، وتُمشِّيه صحة القراءة وشهرتها، وتلقيها بالقبول .

وذلك بخلاف زيادة كلمة ونقصانها، وتقديمها وتأخيرها، حتى ولو كانت حرفًا واحدًا من حروف المعاني ، فإن حكمه في حكم الكلمة: لا يسوغ مخالفة الرسم فيه.

وهذا هو الحد الفاصل في حقيقة اتباع الرسم ومخالفته"، انتهى.

" النشر في القراءات العشر " (1/ 12 - 13).

وحكى " ابن جني" : " ومن ذلك أن تقع السين قبل الحرف المستعلي، فتقرّب منه بقلبها صادًا، على ما هو مبين في موضعه من باب الإدغام ، وذلك كقولهم في ‌سُقْت: ‌صُقْت ، وفي السوق: الصوق ، وفي سبقت: صبقت ، وفي سملق وسويق : صملق وصويق ، وفي سالغ وساخط : صالخ وصاخط ، وفي سقر : صقر ، وفي مساليخ : مصاليخ " ، انتهى .

" الخصائص " (2/ 144 - 145).

وقال " ابن السِّيد ": "قد حكى ابن دريد أنه يقال : رسغ ورصغ .

وقد أجاز النحويون في كل سين وقعت بعدها غين أو خاء معجمتان، أو قاف أو طاء : أن تبدل صادًا .

فإن كان صادًا في الأصل لم يجز أن تقلب سينًا، نحو سخرت منه، وصخرت، ( وأسبغ عليكم نعمه ) وأصبغ ،( وزادكم في الخلق بسطة ) وبصطة ؛ فمتى رأيت من هذا النوع ما يقال بالصاد والسين ، فاعلم أن السين هي الأصل ، لأن الأضعف يُرد إلى الأقوى ، ولا يرد الأقوى إلى الأضعف "، انتهى.

" الاقتضاب في شرح أدب الكتاب " (2/ 196 - 197).

فالحاصل: أن من كتب المصحف كتب هذه الأحرف بالصاد ؛ للعلل السابقة ، ونبهوا على أنها تقرأ بالسين في بعض المصاحف ، كما نراه اليوم .

ولو أحببت التوسع في هذه المسألة، فانظر : " السين العربية في ضوء لهجات شبه الجزيرة العربية .. دراسة لغوية موازنة "، د. فاطمة كاظم خضير: (59) ، وما بعدها.

ثانيًا :

أما القراءة ، فإنها سنة متبعة ، يأخذها اللاحق عن السابق ، ويقف الإنسان فيها عند المسموع ، لا يقرأ كما يشاء .

قال " الداني " : " وأئمة القراءة لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة ، والأقيس في العربية ، بل على الأثبت في الأثر ، والأصحّ في النقل .

والرواية إذا ثبتت : لا يردّها قياس عربية ولا فشوّ لغة ؛ لأن ‌القراءة ‌سنّة ‌متّبعة يلزم قبولها والمصير إليها "، انتهى .

"جامع البيان في القراءات السبع " (2/ 860).

وعلى ذلك:

فما قاله العلماء في إبدال السين صادا، في مواضعه التي ذكروها: لا يعني أنك إذا صادفت سينا في القرآن، ولو كان بالصفة التي فسروا بها قلبها صادا، لم يكن لك أن تقلبها من عند نفسك؛ إذا لم ترد بها الرواية؛ كما أنهم لم يقلبوها صادا في "بسطة" التي في سورة "البقرة"، وقلبوها في الأعراف؛ لأنها هكذا قرئت؛ وليس لك أن تقرأ من عند نفسك، بما لم تسمعه من شيخٍ ثقةٍ مجازٍ، يقرئك القرآن بها، ويعلمك كيف تتلوه؛ فتنبه، واحذر الغلط!!
 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب