إذا كان قد دفع هذا المال لينال منك حسن العشرة، فلم يحصل له ذلك، وافترقتما بعهد قريب من الهبة: فله الرجوع في هبته، وإذا كان قد نال ما يريد، ومضى على ذلك مدة، فيحرم عليه الرجوع.
هل للزوج بعد الطلاق أن يطالب الزوجة بما وهبه لها؟
السؤال: 440850
اشتريتُ أرضًا باسمي، أنفق زوجي السابق بعض المال لملء الأرض بالطين، لكنه لم يقُل إنه يريد استعادة المال، الآن تطلّقنا وهو يطلبُ مني هذا المال، فهل يجب علي إعادته؟
ملخص الجواب
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أولا:
ما أنفقه زوجك على أرضك يحتمل وجوها:
1-أن يكون على سبيل القرض، بحيث تردينه عندما يتيسر لك، وقد ذكرت أنه لم يشترط رده.
2-أن يكون على سبيل المشاركة بقدر ما دفع، إذا صرح بذلك.
3-أن يكون على سبيل الهبة والتبرع.
وهذا هو الأصل ما دام لم يصرح بالقرض ولا بالمشاركة.
ثانيا:
الأصل تحريم الرجوع في الهبة؛ لما رواه البخاري (2589)، ومسلم (1622) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ).
وفي رواية للبخاري (2622) ( لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ الَّذِي يَعُودُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ ).
وروى أبو داود (3539) والترمذي (2132) والنسائي (3690) وابن ماجه (2377) عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ ، وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَأْكُلُ فَإِذَا شَبِعَ قَاءَ ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ) والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود".
لكن يستثنى من ذلك:
رجوع الزوج أو الزوجة فيما وهبت لغرض حسن العشرة، إذا لم يحصل لها غرضها؛ لما روى مالك في الموطأ (1477) أن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: " مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِصِلَةِ رَحِمٍ أَوْ عَلَى وَجْهِ صَدَقَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيهَا ، وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً يَرَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِهَا الثَّوَابَ فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ يَرْجِعُ فِيهَا إِذَا لَمْ يُرْضَ مِنْهَا ".
قال الألباني: " وهذا سند صحيح على شرط مسلم " انتهى من "إرواء الغليل" (6/ 55).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وهذا المنصوص جار على أصول المذهب الموافقة لأصول الشريعة، وهو أن كل من أُهدي أو وُهب له شيء بسببٍ، يثبت بثبوته، ويزول بزواله، ويحرم بحرمته ويحل بحله ... " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5/ 472).
وقال الخرشي المالكي في "شرح مختصر خليل" (3/ 288): " وأجرى في توضيحه: ما أهداه الزوج لها، أو أعطاها بعد البناء، مجرى ما أعطته هي لدوام العشرة، فقال عن أصبغ: إن أهداها لها قبل البناء، فلا شيء له، وإن وجدها [أي الهبة] قائمة؛ لأن الذي أهدى إليه قد وصل إليه [وهو البناء].
وإن أعطاها شيئا بعد البناء، ثم فُسخ نكاحها بحدثان ذلك [يعني: فسخ بعد عهد قريب من الهبة] : فله أخذ ما أعطاها؛ لأنه إنما أعطاها على ثبات الحال، والعشرة.
وإن كان الفسخ بعد طول سنتين أو سنين فلا أرى له شيئا، وإن وجدها بعينها؛ لأن الذي أعطى له قد رسخ، وانتفع به، فالفسخ كطلاق حادث" انتهى.
فإذا كان زوجك قد دفع هذا المال لينال منك حسن العشرة، فلم يحصل له ذلك، وافترقتما بعهد قريب من الهبة: فله الرجوع في هبته.
وإذا كان قد نال ما يريد، ومضى على ذلك مدة، فيحرم عليه الرجوع.
وينظر جواب السؤال (332246)، (357114)، (258598)، (394224).
ثالثا:
من الفقهاء من أجاز الرجوع في الهبة، لكن مع الكراهة، وهذا مذهب الحنفية.
لكنهم يمنعون الرجوع في حال استهلاك الهبة، وفي حال كون الهبة بين الزوجين أو الأرحام.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (42/ 149): "منع الحنفية الرجوع في الهبة في الأحوال الآتية:
أ - هلاك الشيء الموهوب أو استهلاكه: فإذا تلف الشيء الموهوب، أو استهلكه الموهوب له: فإنه يمتنع الرجوع...
د - وجود العوض: إذا كانت الهبة بعوض، وقبضه الواهب: لم يجز له الرجوع، والحجة في ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: (الواهب أحق بهبته، ما لم يثب منها). كما أن التعويض دليل على أن مقصود الواهب هو الوصول إلى العوض، فإذا وصل إليه، فقد حصل مقصوده، فيمتنع الرجوع. ولا فرق بين أن يكون العوض قليلا أو كثيرا.
هـ - إذا كان في الهبة ما هو في معنى العوض: ويتحقق ذلك في الأحوال التالية:
- الهبة لصلة الرحم: لا رجوع في الهبة لذي رحم محرم من الواهب.
وحجتهم ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها)، ومعناه : أن للواهب أن يرجع ما لم يعوض، وصلة الرحم عوض مَعنىً؛ لأن التواصل سبب للتناصر والتعاون في الدنيا، وسبب للثواب في الآخرة.
كما أن الشرع قد أمر بصلة الرحم، وأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد منع الرجوع في مثل هذه الهبة.
أما إذا كانت الهبة لذي رحم غير محرم، فيجوز الرجوع لقصور معنى الصلة، فلا يكون في مدى العوض.
-الزوجية: لا يرجع أي من الزوجين فيما وهب لصاحبه، والعبرة بقيام الزوجية وقت الهبة؛ لأن صلة الزوجية تجري مجرى صلة القرابة الكاملة، بدليل تعلق التوارث بها في جميع الأحوال" انتهى.
والله أعلم.
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟