الحمد لله.
الذي يظهر: أنه لا يجوز للفقير أن يتفق مع من يجمع له الزكوات، أو يسأل الناس لأجله ، على أن يعطيه نسبة، أو شيئا مما يجمعه له ؛ فإن حقيقة ذلك الأمر أن هذا الوسيط سوف يسأل الناس أموالهم، لأجل مصلحة نفسه في المقام الأول، وإلا، لم يخص هذا الفقير المعين بالسؤال، ولم يتفق عليه على أخذ شيء منه ، فصار يسأل الناس من أموالهم تكثرا.
روى مسلم في "صحيحه" (1041) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ).
قال الإمام أحمد: "لا يعجبني أن يسأل المرء لنفسه؛ فكيف لغيره". انتهى، من "الجامع لعلوم الإمام أحمد" (10/262).
ثم إن هذا الوسيط في جمع المال، سوف يلحف في السؤال لهذا الشخص المعين، لأجل ما يتحقق للوسيط من المصلحة، وليس لأجل مراعاة حاجة المحتاج، وربما أضر ذلك بغيره من المحتاجين الذين لا يجدون من يسأل لهم، أو يسعى في مصالحهم.
وشر من ذلك، وأدخل في الخداع وأكل أموال الناس بالباطل، أن يسأل للمحتاجين سؤالا عاما، أو لفقير غير معين، فيعطيه الغني المتصدق، ثم هو يخصها بصاحبه الذي ربت معه أن يأخذ نسبة من ذلك المال.
هذا مع أن هذا الشخص المعين ليس له استحقاق على شخص، ولا له في ذمة أحد دين يخصه، فيسعى هذا لاستخلاصه له بشيء منه.
كما أنّ سعيه لأخيه في هذا الأمر قد يكون من باب الشفاعة لا يجوز أخذ العوض عليها، وفي الحديث (في الحديث: من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له هدية فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا) أبو داود (3541)، وحسنه الألباني.
وفي حديث أبي موسى الأشعري قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه، فقال: (اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم- ما شاء) البخاري (1365).
قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله: "وأما الهدية في الشفاعة؛ مثل: أن يشفع لرجل عند ولي أمر أن يرفع عنه مظلمة، أو يوصل إليه حقه، أو يوليه ولاية يستحقها، أو يستخدمه في الجند المقاتلة وهو يستحق ذلك، أو يعطيه من المال الموقوف على الفقراء أو الفقهاء أو القراء أو النساك أو غيرهم، وهو من أهل الاستحقاق.
ونحو هذه الاستعانة على فعل واجب أو ترك محرم؛ فهذه أيضا لا يجوز فيها قبول الهدية، ويجوز للمهدي أن يبذل في ذلك ما يتوصل به إلى أخذ حقه، أو دفع الظلم عنه، هذا هو المنقول عن السلف والأئمة الأكابر.
ورخص فيه بعض المتأخرين من الفقهاء، وجعل هذا من باب الجعالة، وهذا مخالف للسنة وأقوال الصحابة والأئمة؛ فهو غلط؛ لأن مثل هذا العمل هو من المصالح العامة التي يكون القيام فيها فرضا؛ إما على الأعيان وإما على الكفاية" انتهى من "مجموع الفتاوى" (31/ 287).
والحاصل:
أن الذي يظهر عدم جواز اتفاق الفقير مع شخص، ليسأل له الناس، أو يجلب له الزكوات، على أن يعطيه سهما مما يحصله له.
والله أعلم
تعليق