الأحد 23 جمادى الأولى 1446 - 24 نوفمبر 2024
العربية

تكرار القصة في القرآن بألفاظ مختلفة

448903

تاريخ النشر : 29-07-2023

المشاهدات : 7267

السؤال

ما الحكمة من تكرار القصص في القرآن؟

الجواب

الحمد لله.

تكرار العبارة والقصة في القرآن الكريم، ولكن في سياقات مختلفة وألفاظ مترادفة : هو من سمات القصص القرآني الظاهرة، حيث يتكرر ذكر القصة الواحدة في كثير من السور، وفي كل مرة يتنوع السياق، ويتعدد الأسلوب، وترد القصة بعبارات جديدة، تفتح آفاقا للمعاني والفوائد، وأنماطا متنوعة من أساليب البلاغة والبيان، ولذلك عد العلماء والمفسرون هذا التنوع في اللفظ والعبارة من مظاهر الفصاحة والبيان، ونصوا على أن من مقاصد القصص القرآني تفريق الحدث الواحد في سياقات مختلفة، بل وألفوا في هذا الفن مؤلفات خاصة، منها كتاب "المقتنص في فوائد تكرار القصص" لبدر الدين ابن جماعة، كما ذكر ذلك السيوطي في "الإتقان" (2/184).

يقول "الزركشي" رحمه الله: "إبراز الكلام الواحد في فنون كثيرة، وأساليب مختلفة: لا يخفى ما فيه من الفصاحة" انتهى من "البرهان في علوم القرآن" (3/26).

وإذا رحنا نعدد الفوائد التي يضفيها هذا الأسلوب على مجمل ما في القرآن الكريم، لعددنا شيئًا كثيرًا، ولكنا نذكر ههنا بعض هذه الفوائد:

1- زيادة بعض التفاصيل التي لم تذكرها الآيات من قبل، والمثال الوارد في السؤال واحد من صور هذه الفوائد، فقد زادت الآيات في سورة الحجر قيدا في وصف الأصل الذي خلق منه آدم عليه السلام، وهو كونه من صلصال من حمأٍ مسنون، في حين لم تذكر ذلك آيات سورة الأعراف المتعلقة بالقصة.

2- تأكيد التحدي الذي جاء به القرآن لمشركي العرب أن يأتوا بشيء من مثله، فقد كشف هذا التنوع في العبارة عن عجزهم عن الإتيان بمثله بأي نظم جاء، وبأي عبارة عبَّروا.

3- إذهاب السآمة والملل عن القصة، وذلك أن العرض الجديد يشد الأسماع، ويلفت الأنظار، ويبقي صلة المتعة والفائدة بين القارئ والنص المقدس، وهذا من المقاصد العظيمة أيضًا، "فيجد البليغ ميلًا إلى سماعها، لما جُبلت عليه النفوس من حب التنقل في الأشياء المتجددة، التي لكل منها حصة من الالتذاذ".

4- "ظهور الأمر العجيب في إخراج صور متباينة في النظم بمعنى واحد، وقد كان المشركون في عصر النبي صلى الله عليه وسلم يعجبون من اتساع الأمر في تكرير هذه القصص والأنباء مع تغاير النظم، وبيان وجوه التأليف، فعرفهم الله سبحانه أن الأمر بما يتعجبون منه مردود إلى قدرة من لا يلحقه نهاية، ولا يقع على كلامه عدد".

5- التناسق بين الموضوع والمناسبة التي وردت القصة لأجلها، فأحيانا تقتضي هذه المناسبة إبراز معنى في الحوار الدائر، لم يكن من الضروري إبرازه في مناسبة أخرى وردت فيها القصة، وهذه الفائدة باب واسع من أبواب اكتشاف بحور بلاغة القرآن وإعجازه، وأمثلتها التفصيلية موجودة في بطون كتب التفسير.

يمكن الاطلاع على هذه الفوائد وغيرها في كتاب "البرهان في علوم القرآن" (3/26-29).

يقول الدكتور "فضل حسن عباس" رحمه الله: "المنهج القصصي في القرآن الكريم هو المنهج البديع المعجز، حيث ذكرت القصة في سور كثيرة، وإن خصت بعض السور بذكر حدث واحد، ثم توزعت هذه المشاهد والأحداث على السور التي ذكرت فيها القصة، قلت أم كثرت، بحيث تجد في كل سورة ما لا تجده في غيرها، وبحيث يذكر في كل سورة ما يتلاءم مع موضوعها وسياقها، وبحيث تذكر القصة في السورة في الموضع الذي اختيرت له والذي اختير لها" انتهى من "القصص القرآني" (81).

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب