الحمد لله.
روى الإمام مسلم (1467) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ.
فهذا الحديث نص على أن خير متاع للرجل في هذه الدنيا: المرأة الصالحة.
والذي يظهر، والله أعلم: أنه يمكن أن يؤخذ من مفهوم هذا الحديث أن خير متاع المرأة في هذه الدنيا: الزوج الصالح؛ وهذا لأمرين:
الأمر الأول:
أن المرأة شقيقة الرجل، فلها نظير ما للرجل.
كما في قول رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ رواه أبو داود (236) والترمذي (113)، وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (6 / 860).
قال الخطابي رحمه الله تعالى:
" وقوله: ( إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ )، أي نظائرهم وأمثالهم في الخلق والطباع؛ فكأنهن شُقِقْن من الرجال.
وفيه من الفقه إثبات القياس ، وإلحاق حكم النظير بالنظير ، وأن الخطاب إذا ورد بلفظ الذكور كان خطابا بالنساء إلا مواضع الخصوص التي قامت أدلة التخصيص فيها " انتهى. "معالم السنن" (1 / 79).
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" فهو دليل على تساوي الشقيقين، وتشابه القرينين، وإعطاء أحدهما حكم الآخر " انتهى. "أعلام الموقعين" (2 / 343 – 344).
الأمر الثاني:
بالنظر إلى علة هذه الخيرية، وهي متمثلة في كون المرأة الصالحة تعين الرجل على قضاء شهوته في الحلال، وتعينه على أمر دينه.
ويشهد لهذا ما رواه الترمذي (3094) عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: " لَمَّا نَزَلَتْ: ( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ )، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: أُنْزِلَتْ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، لَوْ عَلِمْنَا أَيُّ الْمَالِ خَيْرٌ فَنَتَّخِذَهُ، فَقَالَ: أَفْضَلُهُ لِسَانٌ ذَاكِرٌ، وَقَلْبٌ شَاكِرٌ، وَزَوْجَةٌ مُؤْمِنَةٌ تُعِينُهُ عَلَى إِيمَانِهِ".
قال الصنعاني رحمه الله تعالى:
" ... لأنه سبحانه وتعالى زين الدنيا بسبعة أشياء ذكرها بقوله: ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ )، الآية.
وتلك السبعة هي ملاذها، وغاية آمال طلابها، وأعمها رتبة وأعظمها شهوة النساء؛ ولأنها تحفظ زوجها عن الحرام وتعينه على القيام بأمور دينه ودنياه، وكل لذة أعانت على لذات الآخرة، فهي محبوبة، مرضية لله تعالى؛ فصاحبها يلتذ بها من جهة تنعمه وقرة عينه بها، ومن جهة إيصالها له إلى مرضاة الله تعالى " انتهى. "التنوير" (6 / 141 – 142).
والمرأة يعينها زوجها الصالح على إيمانها وعلى قضاء شهوتها في الحلال، فيكون الزوج إذًا خير متاعها الدنيوي.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" قد استقرت شريعته سبحانه أن حكم الشيء حكم مثله، فلا تفرق شريعته بين متماثلين أبدا، ولا تجمع بين متضادين ... فبحكمته وعدله ظهر خلقه وشرعه، وبالعدل والميزان قام الخلق والشرع، وهو التسوية بين المتماثلين، والتفريق بين المختلفين " انتهى. "زاد المعاد" (4 / 248).
والله أعلم.
تعليق