الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

هل النيل والفرات ينبعان من أصل سدرة المنتهى؟

460752

تاريخ النشر : 20-03-2024

المشاهدات : 2860

السؤال

كيف يكون النيل والفرات نابعين من سدرة المنتهى، وهي تجف في مناطق وتتسخ؟ وماهو أقرب تأويل للمنطق؟

الجواب

الحمد لله.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ رضي الله عنهما: " أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ: (… ثُمَّ رُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى فَإِذَا نَبْقُهَا مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ، وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ، قَالَ: هَذِهِ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، وَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نَهَرَانِ بَاطِنَانِ وَنَهَرَانِ ظَاهِرَانِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَانِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَنَهَرَانِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ ‌فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ … ) الحديث.

رواه البخاري (3887)، ومسلم (164) واللفظ عنده: "وَحَدَّثَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ: (رَأَى أَرْبَعَةَ أَنْهَارٍ يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا نَهَرَانِ ظَاهِرَانِ وَنَهَرَانِ بَاطِنَانِ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَا هَذِهِ الْأَنْهَارُ؟ قَالَ: أَمَّا النَّهَرَانِ الْبَاطِنَانِ، فَنَهَرَانِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ، ثُمَّ رُفِعَ لِيَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ ).

قال النووي رحمه الله تعالى:

" قوله: ( وَحَدَّثَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ رَأَى أَرْبَعَةَ أَنْهَارٍ يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا نَهَرَانِ ظَاهِرَانِ وَنَهَرَانِ بَاطِنَانِ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَا هَذِهِ الْأَنْهَارُ؟ قَالَ: أَمَّا النَّهَرَانِ الْبَاطِنَانِ، فَنَهَرَانِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ ) هكذا هو في أصول صحيح مسلم: ( يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا )، والمراد من أصل سدرة المنتهى، كما جاء مبينا في صحيح البخاري وغيره " انتهى من "شرح صحيح مسلم" (2 / 224).

وتنوعت أقوال أهل العلم في توجيه معنى هذا الحديث:

فجملة من أهل العلم فهموه على ظاهره؛ وهو: أن نهرا النيل والفرات المعروفين في هذه الدنيا نبعهما من أصل سدرة المنتهى.

قال شرف الدين الطيبي رحمه الله تعالى:

" والظاهر أن النيل والفرات، يخرجان من أصلها ثم يسيران حيث أراد الله تعالى، ثم يخرجان من الأرض ويسيران فيها، وهذا لا يمنعه شرع ولا عقل، وهذا ظاهر الحديث فوجب المصير إليه " انتهى من "شرح المشكاة" (12 / 3746).

ومنهم من رأى أن هناك اشتراكا في الاسم، فالنيل والفرات اللذان ينبعان من أصل سدرة المنتهى، غير النيل والفرات الموجودين في هذه الدنيا.

وقيل: إن نسبتهما إلى سدرة المنتهى من باب التشبيه، لعذوبتهما وبركتهما، حيث جعلهما الله تعالى سببا لحياة جملة من الأقاليم والبلدان قليلة الأمطار.

قال ابن الملك رحمه الله تعالى:

" ( وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ ‌فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ ) والأوجه أنهما النهران المسميان على ما عرفنا بأعيانهما، وتكون مادتهما مما يخرج من أصل السدرة.

ويَحْتَمِل: أن تكون تسميتهما بهذين الاسمين من باب الاستعارة، بأن شبَّههما بنهري الجنة في الهضم والعذوبة، أو من باب تَوافُق الأسماء بأن يكون اسما نهري الجنة موافقتين لاسمي نهر الدنيا " انتهى من "شرح مصابيح السنة" (6/280).

وبعضهم رأى أن ذكرهما من باب التبشير والإشارة إلى أن بلدان هذين النهرين ستكون من بلاد المسلمين، الذين سيكون مآلهم إلى الجنة.

وهذا الرأي والرأي القائل بأنه إشارة إلى بركتهما، يتماشيان مع القول بأن المعراج كان مناما، فتكون هذه الرؤيا من باب ضرب الأمثال، وهو قول غير صحيح، بل الصحيح أن المعراج كان بالروح والجسد، وما رآه النبي صلى الله عليه وسلم كان حقيقة بالعين.

راجع للأهمية جواب السؤال رقم: (84314).

والأصل أن يفهم الحديث على ظاهره، فيكون ذكر الفرات والنيل إما من باب تشابه الأسماء، وإما أنهما النهران اللذان على الأرض.

سُئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:

" كيف يكون النيل والفرات من أنهار الجنة؟

فأجاب:

بيَّن العلماء هذا، وأنها أسماء متوافقة: نهران باطنان، ونهران ظاهران، الظاهران: النيل والفرات، والباطنان: سيحون وجيحون.

وقال جمعٌ إنها أسماء مُتوافقة، وافقت ما في الدنيا.

وقال آخرون: لا مانع من أن يكون ما في الدنيا أصله من هذه الأنهار، وأن الله أنزل منها شيئًا فجعله سببًا لهذه الأنهار التي في الأرض: سيحون، وجيحون، والنيل، والفرات.

محتمل هذا وهذا " انتهى من موقع الشيخ. 

وعلى القول بظاهر الحديث والمعنى المتبادر منه، أي: أن ماء الفرات والنيل بالأرض له مصدر من أصل سدرة المنتهى، فلا يستشكل بكون هذا الماء طبعه كسائر مياه الأرض يلحقه الفساد والجفاف، فإنه لا يمتنع أن يجعل الله تعالى ظهور هذا الماء في الدنيا على وجه يتوافق مع طبع سائر مياه هذه الدنيا؛ مع بقاء بركته وتمام نفعه.

كما أن الله خلق آدم عليه السلام خارج هذه الأرض وأسكنه الجنة، فلما أهبطه إلى الأرض عاش فيها على وجه يتوافق مع طبع الحياة في هذه الأرض.

قال الشيخ ابن عثيمين، في شرحه لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ، وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ، كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ) رواه الإمام مسلم (2839).

قال رحمه الله تعالى:

" قال بعض أهل العلم: إنها من أنهار الجنة حقيقة، لكنها لما نزلت إلى الدنيا غلب عليها طابع أنهار الدنيا، وصارت من أنهار الدنيا، لأن أنهار الجنة أربعة: ( فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى )…

لكن سيحان وجيحان والنيل والفرات معلومة وهي تأسن تتغير مع طول المدة ؟

فللعلماء فيها تأويلات:

الأول: أنها من أنهار الجنة حقيقة، لكن لما نزلت إلى الأرض صار لها حكم أنهار الدنيا.

الثاني: أنها ليست من أنهار الجنة حقيقة ، لكنها أطيب الأنهار وأفضلها، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الوصف لها من باب رفع شأنها ، والثناء عليها .

والله أعلم بما أراد رسوله صلى الله عليه وسلم " انتهى من "شرح رياض الصالحين" (6 / 674).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب