السبت 18 شوّال 1445 - 27 ابريل 2024
العربية

كيفية التعامل مع العقيم وحكم تزويجه؟

474638

تاريخ النشر : 28-11-2023

المشاهدات : 1745

السؤال

المجتمع يعامل المرآة العقيم كأنها منبوذه وأمر النبي بزواج الولود للاستحباب فإذا كان المجتمع لا يفضل العاقيم ولا يستحب هذا دينيا فما اللذي يدفع شخص للزواج من عاقيم بنية عفافها وتهوين معانتها

الجواب

الحمد لله.

ليس الأمر كما ذكرت من تعامل المجتمع مع المرأة التي لا تلد، فالأمر في ذلك لا يمثل ظاهرة عامة، وربما عشت أنت مشاهدات خاصة في مجتمع أو بيئة تفعل ذلك، مما أوجد لديك هذا التصور، فلم نر أي احتقار أو انتقاص للمرأة العاقر، ولا زال الكثير من الناس يتزوجون من لا تنجب ويمسكونها بعد الزواج مع علمهم بحالها.

والآيات التي حثت على الزواج والتزويج استوعبت الجميع الولود والعقيم، وذلك لأن الزواج حق فطري وضعه الله في الانسان، قال تعالى: وَأَنْكِحُوا ‌الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [النور: 32] . فقيِّد الله الأمر بالصلاح.

 وقال تعالى: فَانْكِحُوا ‌مَا ‌طَابَ ‌لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ [النساء: 3] ولم يفرق بين عقيم وولود.

ثم إن مقاصد الناس في النكاح مختلفة، فليس كل من ينكح امرأة إنما ينكحها لأجل الولد، وإن كان ذلك من أعظم مقاصد النكاح؛ فقد ينكحها لأجل جمالها، فيرغب فيها فوق رغبته في الولد، وقد ينكحها لأجل مالها، أو لحسبها، ونسبها.

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( ‌تُنْكَحُ ‌الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا. ‌فَاظْفَرْ بذات الدين تربت يداك ) رواه البخاري (5090) ومسلم (1466).

ثانياً:

هذا الامر لا يختص بالنساء، فقد جعل الله هذا أمراً مشتركا بين الرجال والنساء، قال الله تعالى: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ‌ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى: 49-50] 

فأسند الله الأمر إليه بجعله من يشاء عقيما لحكمة أرادها بعلمه وتقديره، ولذا ختمت الآية بقوله (إنه عليم قدير)، فالتشنيع على من كان عقيماً، أو انتقاصه فيه اعتراض على قدر الله وحكمته.

وما يحصل من البعض من لوم أو عتاب أو نظرة تنقص للعقيم: دليل على قلة العلم والدين، وسفه في العقل وسوء في الأخلاق، وهو كمن يعتب على الطويل لطوله، والقصير لقصره، والأمر كله لله.

ثالثاً:

الواجب الشرعي والأخلاقي في التعامل مع من كان عقيما: أنّ يُعزز عنده جانب الرضا بأقدار الله، وأنها كلها خير، وأن قدر الله بمنعه من الذرية فيه خير لا يعلمه، فكم نشاهد في واقعنا المعاصر من آباء وأمهات عاشوا غصة في الحياة ونكدا بسبب عقوق أولادهم أو مرضهم، حتى تمنوا أن لم يكن لهم أولاد، وكم من ولد جر والديه إلى الوقوع فيما حرم الله لأجل أولادهم، وفي قصة الغلام الذي قتله صاحب موسى عليه السلام عظة وعبرة.. ‌أَقَتَلْتَ ‌نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا ، فأجابه: ‌وَأَمَّا ‌الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا [الكهف: 80-81] وقد فعله بأمر الله، وهذا نوع من بيان الحكمة في المنع.

رابعاً:

جاء في بعض النصوص استحباب الولود في قوله صلى الله عليه وسلم: (تَزَوَّجُوا ‌الْوَدُودَ ‌الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ) أبو داود (2050) وحسنه الألباني.

وما جاء في هذا الحديث، هو أيضا فطرة مغروزة في النفس البشرية عززها الشرع لبقاء واستمرار الجنس البشري، وحث المؤمنين على الإنجاب لتكثير أهل الإيمان، وانتشار الخير.

لكن ذلك لا يعني عدم تزويج العقيم، فالنصوص في الحث على الزواج عامة، وكم من رجل منحه الله من الولد ما يرغب معه بنكاح يحقق بعض المقاصد الأخرى للنكاح، من غير طلب للولد (فَإِنَّهُ ‌أَغَضُّ ‌لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ) البخاري (1806) وكذا الحل عند بعض النساء.

وبكل حال؛ فهذه قضية لابد من التعامل معها وفق المنظور القدري الشرعي بالرضا والتسليم، ووفق المتطلبات الفطرية بالحلول الملائمة التي يجمع فيها بين النصوص المُرغبة بالزواج والنصوص، التي ترغب بالمرأة الولود ولا تعارض بينهما.

قال ابن رسلان رحمه الله في شرح حديث (تزوجوا الودود الولود): "فيه استحباب نكاح الولود كما تقدم، قال بعض المتأخرين: إلا أن تكون المصلحة في غير الولود، وكأنه فيما إذا كانت المنكوحة لا لقصد أولادها" انتهى من "شرح سنن أبي داود" (9/ 265).

‌‌ومن تأمل يجد أنه لم تنجب من نساء النبي صلى الله عليه وسلم سوى خديجة، رضي الله عنها، ومارية القبطية.

قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "ونكاح العقيم لا شيء فيه لا بأس به، لا حرج في ذلك، لكن نكاح الولود الودود أفضل وأولى، وإذا جمعت بين المرأتين نكحت ودودًا ولودًا، ونكحت عقيمًا، وجمعت بين الأمرين؛ فلا بأس" انتهى من "فتاوى نور على الدرب لابن باز" (20/ 33).

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب