الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

كيف قال النبي صلى الله عليه وسلم عن أحد الصحابة ( مَنْ يَشْتَرِي الْعَبْدَ؟ ) وهو من الأحرار؟!

477961

تاريخ النشر : 02-02-2024

المشاهدات : 8604

السؤال

ممّا هو معلوم أنّ الكذب حرام بكلِّ أنواعه، ولكن أشكل عليّ الحديث الذي جاء فيه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمسك بزاهر بن حزام، وقال عبد للبيع"، مع أنه لم يكن عبدا، مع العلم أنني مؤمنٌ بأنه صلى الله عليه وسلم لا يقول إلا حقا.

ملخص الجواب

قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ يَشْتَرِي الْعَبْدَ؟ ). ليس فيه ما يجانب الحق، فكل إنسان يصح وصفه بالعبودية، وإن كان حرا؛ لأن كل الناس عبيد لله تعالى وهو ربهم سبحانه وتعالى.

الجواب

الحمد لله.

روى الإمام أحمد في "المسند" (20 / 90 - 91)، وابن حبان "الإحسان" (13 / 106)، وابن أبي شيبة في "المصنف"، والترمذي في "الشمائل" (240)، وغيرهم:

عن عَبْد الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسٍ: " أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ كَانَ اسْمُهُ زَاهِرًا، وَكَانَ يُهْدِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْهَدِيَّةَ مِنَ الْبَادِيَةِ، فَيُجَهِّزُهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ زَاهِرًا بَادِيَتُنَا، وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ. وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّهُ، وَكَانَ رَجُلًا دَمِيمًا، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا وَهُوَ يَبِيعُ مَتَاعَهُ، فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ، وَلَا يُبْصِرُهُ الرَّجُلُ، فَقَالَ: أَرْسِلْنِي، مَنْ هَذَا؟ فَالْتَفَتَ، فَعَرَفَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلَ لَا يَأْلُو مَا أَلْصَقَ ظَهْرَهُ بِصَدْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ عَرَفَهُ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:  مَنْ يَشْتَرِي الْعَبْدَ؟ 

فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِذًا وَاللهِ تَجِدُنِي كَاسِدًا.

فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:  لَكِنْ عِنْدَ اللهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ، أَوْ قَالَ: لَكِنْ عِنْدَ اللهِ أَنْتَ غَالٍ .

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات على شرط الصحيحين " انتهى من "البداية والنهاية" (8/ 490).

وصححه الحافظ ابن حجر في "الإصابة" (4/6).

وصححه الشيخ الألباني في "التعليقات الحسان" (8/266).

وقال محققو المسند: " إسناده صحيح على شرط الشيخين" انتهى.

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ يَشْتَرِي الْعَبْدَ؟) هو حق أبلج؛ لا شية فيه من باطل، وحاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول الباطل، أو يعمل به، أو يرضاه.

قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: "وقال لرجل احتضنه من ورائه: ( مَنْ يَشْتَرِي الْعَبْدَ؟ ). فقال: يا رسول الله، تجدنى إذا كاسدا. قال: ( لَكِنك عِنْدَ اللهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ ).

وهذا كله من التأويل والمعاريض، وقد سماه النبى صلى الله عليه وسلم حقا، فقال: ( لَا ‌أَقُولُ ‌إِلَّا ‌حَقًّا ) " انتهى من "المغني" (13/500).

وبيان ذالك:

أن لفظ: ( الْعَبْدَ ) لا يراد به الرقيق، فقط، بل يصلح أن يطلق على كل إنسان في هذه الدنيا، فكل الناس عبيد لله تعالى. وقد وصف الله تعالى المختارين من عباده بوصف العبودية.

قال الله تعالى: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ ، وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ، إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ  الزخرف/57 - 59.

ووصف به من استجاب لدينه.

كما في قوله تعالى: أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ سبأ /9.

قال الملا علي القاري رحمه الله تعالى:

" ووجه تسميته عبدا ظاهر، فإنه عبد الله " انتهى من "مرقاة المفاتيح" (8/624).

وأما عبارة: ( مَنْ يَشْتَرِي؟).

فقد ذكر لها أهل العلم جملة من التـأويلات، وبعضها فيه تكلف.

قال الملا علي القاري رحمه الله تعالى:

" ووجه الاستفهام على الاشتراء الذي يطلق لغة على مقابلة الشيء بالشيء تارة، وعلى الاستبدال أخرى، أنه أراد من يقابل هذا العبد بالإكرام، أو من يستبدله مني بأن يأتيني بمثله، ويمكن أن يكون من قبيل التجريد، والمعنى من يأخذ هذا العبد " انتهى من "مرقاة المفاتيح" (8 /624).

ولعل الأصوب، أن يقال: أن هذا استفهام وليس بخبر، فلا يمكن وصفه بعدم الصدق، فقد يقول الشخص: من يشتري هذا الشيء؟ ولا يقصد البيع، ولا يعد كاذبا، وهذا أظهر الأقوال؛ فمن أراد أن يشتري هذا العبد، لم يجده محلا للبيع والشراء!!

قال ابن القيم، رحمه الله: " وقصد صلى الله عليه وسلم أنه عبد اللَّه، والصيغة صيغة استفهام " انتهى من "إعلام الموقعين" (4/541).

وقال الملا علي القاري، بعد ما تعقب الوجوه التي ذكروها، وما فيها من تكلف: " فالوجه الوجيه أن الاشتراء على حقيقته، وأن ‌العبد فيه تورية أو تشبيه أو قبله مضاف مقدر أي: ‌من ‌يشتري مثل هذا ‌العبد مني، ولا يلزم من هذا القول لا سيما والمقام مقام المزاح إرادة تحقق بيعه ليشكل على الفقيه بأن بيع الحر غير جائز". انتهى، من "جمع الوسائل في شرح الشمائل" (2/30).

والأقوال المحتملة تعتبر بحسب قصد قائلها، فبهذا جاءت شريعة نبينا صلى الله عليه وسلم.

كما في قول رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ) رواه البخاري (1)، ومسلم (1907).

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" الاعتبار بالمعاني والمقاصد في الأقوال والأفعال، فإن الألفاظ إذا اختلفت عباراتها أو مواضعها بالتقدم والتأخر والمعنى واحد؛ كان حكمها واحدا، ولو اتفقت ألفاظها واختلفت معانيها كان حكمها مختلفا، وكذلك الأعمال، ومن تأمل الشريعة حق التأمل علم صحة هذا بالاضطرار " انتهى من "إعلام الموقعين" (4/552).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب