السبت 18 شوّال 1445 - 27 ابريل 2024
العربية

هل يلزمني إزالة النخلة التي في ملكي بسبب تضرر جاري؟

484402

تاريخ النشر : 22-03-2024

المشاهدات : 472

السؤال

عندي نخلة، تسلقها اللصوص إلى منزل الجيران، وقاموا بسرقة المنزل، فطلب مني الجيران أن أقطعها، فعلى من تجب تكاليف قطعها علي، أم على الجيران الذين تضرروا، وطلبوا قطعها؟

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

ينبغي أن يستحضر الجيران، في كل ما يعرض لهم من أمر، وما يحدث بينهم من نزاع أو شجار؛ يستحضروا ما ورد من الآيات والأحاديث في الحث على الإحسان إلى الجار وإكرامه، ولا يكون التعامل بينهما بالمحاقّة والمشاحَّة؛ بل بالإحسان والإكرام والتغاضي والتسامح.

فهذا هو الذي يحبه الله من الجيران، ويحبه لهم، وما قرره من حقهم.

قال الله تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى ‌وَالْجَارِ ‌الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ [النساء: 36] 

وقال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره) رواه البخاري (5673)، ومسلم (47).

وقال صلى الله عليه وسلم : (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ) رواه البخاري (6018)، ومسلم (6048).

وقال صلى الله عليه وسلم : (مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُه) رواه البخاري (6014)، ومسلم (2625).

ثانياً:

فيما يخص قضيتكم، وهي النخلة التي في ملكك، وتسلق عليها اللصوص إلى منزل جارك، وسرقوه، فيقال في مشكلتكم:

هذه النخلة لها حالان:

الأولى: أن تكون النخلة في ملكك التام، كلها، وليست النخلة مائلة حتى خرجت عن حدود ملكك، وهذا هو الغالب في شأن "النخل" – عكس كثير من الأشجار التي تميل، أو تمتد أغصانها إلى ملك الجيران ؛ فإن كان الأمر على ذلك، والنخلة بكاملها في ملكك: فلا حق لجارك في قطعها بنفسه، أو الاعتداء عليها، ولا حق له كذلك في أن يطلب منك قطعها، لأنها في ملكك، ولم يحصل منك عدوان عليه في ملكه. وعليه أن يحتاط هو لمنزله، فيغلق الأبواب من ناحيتها، ويتحفظ هو من السراق.

وإن احتاط الجار لمنزله، وتحفظ على العادة الجارية، ولم ينفعه ذلك في حماية منزله، لشدة قرب النخلة من داره، وتوسل السراق بها للعدوان على البيت، ولم يكن ذلك مجرد توقع لعدوانهم، ولا توهم؛ فللجار أن يطالبه بإزالة النخلة من جهة داره، أو حياطتها بما يمنع تسلق السراق عليها إلى منزل جاره، إن أمكن، وإلا لزمك قطعها. لما ترتب عليها من الضرر الظاهر للجار، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) ابن ماجة (2369)، وصححه الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" (1909).

قال ابن هبيرة رحمه الله: "وَاتَّفَقُوا على أَن للرجل ‌التَّصَرُّف ‌فِي ‌ملكه إِذا لم يضر بالجار، ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ تصرفه يضر بجاره" انتهى من "اختلاف الأئمة العلماء" (1/436).

قال ابن قدامة رحمه الله: "وليس للرجل التصرف ‌في ‌ملكه ‌بما ‌يضر ‌بجاره" انتهى من "الشرح الكبير" (5/50).

قال الشيخ عليش رحمه الله: "إذا ترك أحد جارين في دارين داره خربة فهل يلزمه سكناها أم لا؟ وإذا قلتم بعدم اللزوم فهل إذا أراد غرس داره نخلا يُمَكّن من ذلك ولو خاف ‌جاره توصل ‌اللصوص لداره من ذلك، أم كيف الحال؟

فأجاب: لا يلزم الجار إسكان بيته، ولو كان الخوف يقع منه في حال خلوه، ويسوغ لمالك الأرض غرسها نخلا، ولا عبرة بتوقع خوف الجار.

فإن وقع المُتوقَّع، وصار النخل سُلَّما للصوص: قُضي بقطع ما صار سلما منه" انتهى باختصار من "فتح العلي المالك" (2/148).

وإذا قطعت النخلة، وهي في ملكك التام: فإنما تكون مؤنة قطعها على الجار؛ لأن ذلك لمصلحته هو، ولم يحصل منك عدوان على ملكه، ولا إضرار به، بفعل منك؛ بل الضرر حصل من عدوان اللصوص، وهذا كما لو حمى منزله هو بما يمنع وصول اللصوص إليه؛ فإنما مؤنة ذلك عليه.

الحال الثانية للنخلة، وما يشبهها من الأشجار:

أن تكون النخلة في ملكك، لكن مالت حتى امتدت إلى ملك الجار، أو كانت شجرة، طالت أغصانها حتى بلغت ملك الجار، فتسلق اللصوص عليها إلى بيت الجار؛ فللجار أنه يطالبك بإزالة ما مال على ملكه من النخلة، أو أغصان الشجر؛ فإن لم يفعل المالك، فللجار أن يدفع الأذى والضرر عن ملكه، ويقطع ما طال إلى ملكه من شجر الجار؛ لا سيما إن تضرر به.

قال ابن قدامة، رحمه الله:

" وإذا ‌حصلت ‌أغصان ‌شجرته ‌في ‌هواء ‌ملك ‌غيره، فطالبه بإزالتها: لزمه ذلك؛ لأن هواء مُلْكِه: مُلْكُه. فإن لم يزله، فلمالك الأرض إزالتها، بالقطع وغيره، كما لو دخلت بهيمة جاره داره، ملك إخراجها" انتهى، من "الكافي" (2/119). وينظر " المغني" (7/18-19).

وفي هذه الحال: تكون تكلفة القطع، أو إزالة الأذى بشجر الجار: على مالك النخلة، أو مالك الشجر.

قال الشيخ ابن عثيمين، في التعليق على هذه المسألة:

"صورة المسألة: إنسان له نخلة، وأعسابها متدلية على ملك جاره؛ فلجاره أن يطالبه بإزالتها بقطعها، أو ليها.

فإن لم يفعل: فله قطعها هو. 

ولكن إذا قطعها، فهل يرجع بالأجرة على مالكها؟

الجواب: نعم؛ يرجع بذلك ويلزم تسليم الأجرة" انتهى من "تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة" (5/48- 49 بترقيم الشاملة).

وبناء على ما سبق:

فما دام قد وقع الضرر بسبب نخلتك، فالواجب عليك إزالتها، إذا لم يمكن الجار أن يتحفظ من تسلق اللصوص بغير ذلك.

وأما تكلفة القطع، فبحسب ما سبق من التفصيل؛ إن كانت النخلة في ملكك بالكلية، فتكلفة القطع على الجار، لأنه لم يحصل منك عدوان، وهو إنما يفعل ذلك لمصلحة ملكه؛ فكانت الكلفة عليه.

وإن كانت النخلة مائلة إلى ملك جارك؛ كانت تكلفة قطعها عليك؛ لأنه يدفع ضرر ملكك عليه.

ولو تصالحتما على ذلك، وتحملتما التكلفة معا: لكان أحسن، وأطيب لنفوسكما.

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب