الحمد لله.
أولاً:
لا يصح اشتراط أن تكون العصمة بيد المرأة في عقد النكاح، ويفسد به العقد عند جمهور العلماء، وقد سبق بيان ذلك مفصلاً في فتوى سابقة في الموقع فليرجع إليها: (345840 ).
وبناء على ما رود في الجواب المشار إليه من كلام أهل العلم، فإنّ وجود هذا الشرط كعدمه، ولا تملك المرأة به تطليق نفسها.
فإذا حصل هذا الشرط، ولم يحصل الدخول بها، فيعاد عقد النكاح بدون هذا الشرط احتياطاً، وإن حصل الدخول فالعقد صحيح والشرط باطل.
ثانياً:
جعل الزوج الطلاق بيد الزوجة بعد العقد جائز، وله صورتان (تفويض أو تخيير).
الصورة الأولى: التفويض
فإذا فوض الزوج زوجته بعد العقد بالطلاق، مثل أن يقول لها : جعلت أمرك بيدك، أو فوضتك في الطلاق، فيصح ، ويكون توكيلا لها في إيقاع الطلاق ، ما لم يفسخ ذلك التوكيل باللفظ ، أو بالفعل وهو الجماع.
قال ابن قدامة رحمه الله: "وإذا قال لها: أمرك بيدك. فهو بيدها، وإن تطاول، ما لم يفسخ أو يطأها.
وجملة ذلك: أن الزوج مخير بين أن يطلق بنفسه، وبين أن يوكل فيه، وبين أن يفوضه إلى المرأة، ويجعله إلى اختيارها؛ بدليل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خير نساءه، فاخترنه.
ومتى جعل أمر امرأته بيدها، فهو بيدها أبدا، لا يتقيد ذلك بالمجلس.
روى ذلك عن علي، رضي الله عنه. وبه قال الحكم، وأبو ثور، وابن المنذر.
وقال مالك، والشافعى، وأصحاب الرأى: هو مقصور على المجلس، ولا طلاق لها بعد مفارقته؛ لأنه تخيير لها، فكان مقصورا على المجلس، كقوله: اختارى.
ولنا: قول على، رضى الله عنه، في رجل جعل أمر امرأته بيدها، قال: هو لها حتى تنكل.
ولا نعرف له في الصحابة مخالفا، فيكون إجماعا.
ولأنه نوع توكيل في الطلاق، فكان على التراخي، كما لو جعله لأجنبي.
وفارق قوله: اختاري؛ فإنه تخيير.
فإن رجع الزوج فيما جعل إليها، أو قال: فسخت ما جعلت إليك: بطل. وبذلك قال عطاء، ومجاهد، والشعبي، والنخعي، والأوزاعي، وإسحاق.
وإن وطئها الزوج كان رجوعا؛ لأنه نوع توكيل، والتصرف فيما وكل فيه يبطل الوكالة.
وإن ردت المرأة ما جعل إليها: بطل، كما تبطل الوكالة بفسخ الوكيل" انتهى، من "المغني" (10/ 381).
وقال النووي رحمه الله: " يصح توكيل المرأة في طلاق غيرها على الأصح، كما يصح أن يفوض إليها طلاق نفسها". انتهى من "روضة الطالبين" (4/299).
وجاء في "الموسوعة الفقهية: " الطلاق تصرف شرعي قولي، وهو حق الرجل كما تقدم، فيملكه، ويملك الإنابة فيه، كسائر التصرفات القولية الأخرى التي يملكها، كالبيع والإجارة. . . فإذا قال رجل لآخر: وكلتك بطلاق زوجتي فلانة، فطلقها عنه، جاز، ولو قال لزوجته نفسها: وكلتك بطلاق نفسك، فطلقت نفسها، جاز أيضا، ولا تكون في هذا أقل من الأجنبي" انتهى من "الموسوعة الفقهية الكويتية" (29/45).
الصورة الثانية:
إذا خيـِّر الزوج زوجته بأن قال لها : اختاري إما الطلاق وإما البقاء: فيصح، ولها الحق فيه في المجلس، فإذا انقضى المجلس، أو تراجع الزوج عن التخيير، أو حصل جماع قبل اختيارها: فلا حق لها، ولا عبرة به.
قال ابن قدامة رحمه الله: "أكثر أهل العلم على أن التخيير على الفور، إن اختارت في وقتها، وإلا؛ فلا خيار لها بعده. روي ذلك عن عمر، وعثمان، وابن مسعود، وجابر، رضى الله عنهم. وبه قال عطاء، وجابر بن زيد، ومجاهد، والشعبي، والنخعي، ومالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأصحاب الرأي...،
وروى النجاد، بإسناده عن سعيد بن المسيب، أنه قال: قضى عمر وعثمان، في الرجل يخير امراته، أن لها الخيار ما لم يتفرقا.
وعن عبد الله بن عمر، قال: ما دامت في مجلسها.
ونحوه عن ابن مسعود، وجابر.
ولم نعرف لهم مخالفا في الصحابة، فكان إجماعا". انتهى من "المغني" (10/ 387).
وينظر جواب السؤال رقم: (256517).
ثالثاً:
إذا فوض الرجل أمر الطلاق إلى امرأته بعد العقد، أو خيـِّرها فلها أن تطلق نفسها ، فإن طلقت نفسها ، فهي طلقة رجعية ، للزوج مراجعتها ما دامت في العدة ، فيجري على طلاقها نفسها من الأحكام ما يجري على تطليق الزوج لها من العدة والرجعة والتصريح والكناية.
قال ابن قدامة رحمه الله: "فإن قالت: اخترت نفسي، فواحدة، تملك الرجعة.
وجملة الأمر: أن المُمَلَّكة والمُخَيَّرة إذا قالت: اخترت نفسي؛ فهي واحدة، رجعية.
وروى ذلك عن عمر، وابن مسعود، وابن عباس. وبه قال عمر بن عبد العزيز، والثوري، وابن أبى ليلى، والشافعي، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور.....
وهكذا إن أتت بشيء من الكنايات، فحكمها فيها حكم الزوج" انتهى من "المغني" (10/ 382-383).
الخلاصة :
اشتراط جعل العصمة بيد الزوجة في عقد النكاح شرط باطل، ومبطل للعقد عند جماهير أهل العلم، ويصح بعد عقد النكاح تفويض الزوجة بطلاق نفسها، من غير تحديد زمن لذلك، ما لم ترد التفويض أو يفسخه الزوج أو يحصل بينهما جماع.
ويصح تخييرها في زمن المجلس، فإن طلقت نفسها ، أو اختارت نفسها وقعت طلقة واحدة رجعية.
الله أعلم.
تعليق