الحمد لله.
أولا : ينبغي أن ننبه هنا إلى أن جهل كثير من الحجاج والمعتمرين بأحكام المناسك ، هو الذي يوقعهم في ارتكاب المحظورات ، أو أداء العبادة على غير الصفة المطلوبة منه ؛ فترى الواحد منهم أنفق أموالا كثيرة ، خاصة إذا كان يأتي من دول بعيدة ثم أهدر أجره ، أو نقصه بسبب جهله بما يجب عليه من أحكام .
فلذلك كان الواجب على من أراد أن يؤدي المناسك أن يتعلم أحكامها قبل الشروع فيها . وقد جاء عن أنس ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ) رواه ابن ماجة وغيره ، وصححه الألباني في تخريج مشكلة الفقر ؛ قال الإمام أحمد : معناه أن يلزمه طلب علم ما يحتاج إليه ، من وضوئه ، وصلاته ، وزكاته ، إن كان له مال ، وكذلك الحج وغيره . جامع بيان العلم ، لابن عبد البر 1/52 ، وقال الحسن بن شقيق : سألت عبد الله بن المبارك : ما الذي يجب على الناس من تعلم العلم ؟ قال : أن لا يقدم الرجل على الشيء إلا بعلم ؛ يسأل ويتعلم ، فهذا الذي يجب على الناس من تعلم العلم .. الفقيه والمتفقه ، للبغدادي /45 ، ولهذا بوب الإمام البخاري ، رحمه الله ، في صحيحه : ( باب العلم قبل القول والعمل ) .
وليس معنى ذلك أنه يجب على كل أحد أن يحفظ كتابا من كتب المناسك ، عن ظهر قلب ، بل الواجب على كل مسلم أن يتعلم من ذلك ما يناسب حاله ، إما بنفسه ، إن كان عنده أهلية ذلك ، أو بسؤال أهل العلم ، أو بصحبة من يدله على أحكام المناسك ، ويعرفه بالواجب عليه ، كلما احتاج .
وأما محظورات الإحرام فقد سبق بيانها في السؤال [11356] .
لكن من فعل شيئا من هذه المحظورات جاهلا بأن الله ، تعالى ، حرم عليه ذلك في حال الإحرام ، فلا شيء عليه ؛ قال الله تعالى : ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الأحزاب/5 .
لكن إن كان يعلم أن الفعل الذي فعله محظور من محظورات الإحرام ، التي يحرم عليه فعلها ما دام محرما ، لكنه لم يظن أن تترتب عليه كل هذه الأحكام فقد قال الشيخ ابن عثيمين ، رحمه الله :
( هذا ليس بعذر ؛ لأن العذر أن يكون الإنسان جاهلا بالحكم ، لا يدري أن هذا الشيء حرام ، وأما الجهل بما يترتب على الفعل ، فليس بعذر ، ولذلك لو أن رجلا محصنا يعلم أن الزنا حرام ، وهو بالغ عاقل ، وقد تمت شروط الإحصان في حقه ، لوجب عليه الرجم ، ولو قال : أنا لم أعلم أن الحد هو الرجم ، ولو علمت أن الحد هو الرجم ما فعلت ، قلنا له هذا ليس بعذر ، فعليك الرجم ، وإن كنت لا تدري ما عقوبة الزنى ، ولهذا لما جاء الرجل الذي جامع في نهار رمضان يستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ماذا يجب عليه ، ألزمه النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة ، مع أنه كان حين جماعه جاهلا بما يجب عليه ، فدل ذلك على أن الإنسان إذا تجرأ على المعصية ، وانتهك حرمات الله ، عز وجل ، ترتب عليه آثار تلك المعصية ، وإن كان لا يعلم بآثارها حين فعلها . ) الفتاوى 22/173-174 .
تعليق