الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

هل الفدية تعوض ما يخل به الإنسان من أحكام المناسك ؟

السؤال

بعض الحجاج والمعتمرين يتهاونون فيما يجب عليهم من الأحكام ؛ فيتجاوزون الميقات من غير إحرام ، مثلا ، أو ربما تركوا بعض الواجبات ، معتمدين على أنهم سوف يذبحون هديا ، يجبر لهم النقص الذي فعلوه ، فما حكم ذلك ؟.

الجواب

الحمد لله.

قد سبق معنا في جواب السؤال رقم ( 36522 ) أن أكثر ما يقع فيه الحجاج أو المعتمرون من أخطاء في مناسكهم ، سببه الجهل بما يجب عليهم من أحكامها . وأما ما ذكر في هذا السؤال من تعمد بعض الناس ارتكاب المحظور ، أو التفريط فيما يؤمر به ، اعتمادا على أن الفدية سوف تجبر له ذلك النقص ، فهذا هو الجهل الحقيقي ، وإن كان صاحبه يظن أن عنده معرفة بما يترتب على فعله , فإنه لا يتجرأ على تعدي حدود الله إلا ظلوم جهول ، قال الله تعالى : ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) البقرة/229 ، و لا يتجرأ على انتهاك حرمات الله إلا من لم يعظم شعائر الله حق تعظيمها ؛ قال الله تعالى : ( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب ِ) الحج/32 ولأجل ذلك كان أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقولون : كل ذنب أصابه عبد فهو بجهالة . وقال مجاهد : كل من عصى ربه فهو جاهل حتى ينزع عن معصيته . [ تفسير الطبري 8/89 ] وزيادة على الجهل بما يجب على العبد من تعظيم شعائر الله ، والوقوف عند حدوده ، وعدم تعديها ، فإن العلم إنما يراد للعمل ، وليس للتحيُّل به على إسقاط ما فرض الله على العبد ، وانتهاك حرمات الله ، فأين هذا من قول النبي ، صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ) البخاري 1521 ومسلم 1350 ، قال ابن حجر : ( "لم يفسق" أي : لم يأت بسيئة ولا معصية )

وقوله ، صلى الله عليه وسلم : ( العُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الْجَنَّةُ ) البخاري 1773 ومسلم 1349

قال ابن حجر : ( قَالَ اِبْن خَالَوَيْهِ : الْمَبْرُور الْمَقْبُول , وَقَالَ غَيْره : الَّذِي لا يُخَالِطهُ شَيْء مِنْ الإِثْم , وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيّ , وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : الأَقْوَال الَّتِي ذُكِرَتْ فِي تَفْسِيره مُتَقَارِبَة الْمَعْنَى , وَهِيَ أَنَّهُ الْحَجّ الَّذِي وُفِّيَتْ أَحْكَامه وَوَقَعَ موافقاً لِمَا طُلِبَ مِنْ الْمُكَلَّف عَلَى الْوَجْه الأَكْمَل وَاَللَّه أَعْلَم ) .

على أن هنا شبهة ، ربما كانت هي التي سببت وقوع بعض الناس في ذلك ؛ وهي ظنهم أن الإنسان مخير بين فعل الواجب ، أو ترك المحظور ، وبين بذل الفدية الواجبة فيه ، من صيام ، أو صدقة ، أو نسك . قال الشيخ ابن عثيمين ، بعد ذكر بعض المحظورات ، وما فيها من الفدية :

( إن كلامنا هذا فيما يجب على الفاعل ، وليس معنى هذا أن الأمر سهل وهين ؛ بمعنى أنه إن شاء فعل هذا الشيء وقام بالتكفير والقضاء ، وإن شاء لم يفعله ، بل الأمر صعب ومحرم ، بل هو من الأمور العظيمة ؛ حيث يتجرأ على ما حرم عليه ؛ فإن الله يقول : ( فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) البقرة/197

وفي هذه المناسبة أريد أن أنبه .. على مسألة يظن بعض الناس أن الإنسان فيها مخير ؛ وهي ترك الواجب والفدية .

يظن بعض الناس أن العلماء لما قالوا : في ترك الواجب دم ، أن الإنسان مخير بين أن يفعل هذا الواجب ، أو أن يذبح هذا الدم ويوزعه على الفقراء .

مثال ذلك : يقول بعض الناس إذا كان يوم العيد ، سوف أطوف وأسعى ، وأسافر إلى بلدي ، ويبقى علي المبيت في منى ، ورمي الجمرات ، وهما واجبان من واجبات الحج ؛ فأنا أفدي عن كل واحد منها بذبح شاة ...، والأمر ليس كذلك ؛ ولكن إذا وقع ، وصدر من الإنسان ترك واجب ، فحينئذ تكون الفدية مكفرة له ، مع التوبة والاستغفار . ) الفتاوى 22/168-169.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب