الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

يسكنون في بيت واحد، فمن الملزم بالخدمات المتعلقة بالبيت من تنظيف ونحوه؟

504136

تاريخ النشر : 30-07-2024

المشاهدات : 939

السؤال

رجل وأخوه يسكنان في بيت واحد، هذا البيت يحتاج لمراعاة في جميع شؤونه؛ من نظافة، وفتح الباب عندما يطرق الباب أي شخص، ومتابعة استهلاك الكهرباء بالتحدث مع المحصل، وهكذا، أحد الأخوين يفعل كل ذلك؛ لأن الأخ الآخر لا يريد فعل أي شيء، وتم التحدث معه مرارا وتكرارا على تحمل مسؤولية نظافة البيت مع الأخ الآخر، ولا استجابة عبر مر السنين، الآن الأخ الذي يعتني بأمور البيت لم يعد يتحمل سلوك أخيه، وهذا الأخ سليم العقل والبدن، لكنه اعتاد عدم المشاركة في أعمال البيت، وتم التحدث معه مرارا ولا فائدة، وهذا الأخ متوقف في قراره، ويقول: إنه لن يفعل شيئا حتى يتم إثبات شرعا أنه آثم بعدم مشاركته أخيه في أعمال البيت، فذهبت أكتب المسألة لكم عسى أن أجد عندكم الإجابة، وهذا الشخص يثق في فتاواكم، لما لكم من علم، ومصداقية، ودين، أفتونا مأجورين.

الجواب

الحمد لله.

إذا اشترك اثنان في ملك عقار، أو في استئجاره، فإن عمارته ومَرَمّته وإصلاحه، تجب عليهما على قدر حصة كل واحد منهما، فلو كان بينهما مناصفة، لزم كل منها نصف العمارة.

قال في "منار السبيل" (1/ 375): " (ويجبر الشريك على العمارة مع شريكه في الملك والوقف): إذا انهدم جدارهما المشترك، أو سقفهما، أو خيف ضرره بسقوطه، فطلب أحدهما الآخر أن يعمره معه. نص عليه الإمام أحمد، نقله الجماعة. قال في الفروع: واختاره أصحابنا، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار).

ولأنه إنفاق على ملك مشترك يزيل الضرر عنهما، فأجبر عليه" انتهى.

وقال في "كشاف القناع" (3/ 414): " (ويجبر الشريك على العمارة مع شريكه في الأملاك والأوقاف المشتركة) لقوله - صلى الله عليه وسلم - لا ضرر ولا ضرار وكنقضه عند خوف سقوطه، وكالقسمة، والبناء وإن كان لا حرمة له في نفسه لكن حرمة الشريك الذي يتضرر بترك البناء توجب ذلك.

(فإن انهدم حائطهما) المشترك (أو) انهدم (سقفهما) المشترك (فطالب أحدهما صاحبه ببنائه معه: أُجبر) الممتنع منهما؛ لما تقدم (فإن امتنع أخذ الحاكم من ماله) النفقة (وأنفق عليه) مع شريكه بالمحاصة (فإن لم يكن له) أي للممتنع (عين مال) أي نقد (وكان له متاع باعه) أي باع الحاكم متاعه (وأنفق منه) على حصته مع الشريك، كوفاء دين الممتنع منه (فإن لم يكن له) أي للممتنع نقد ولا عرض (اقترض) الحاكم (عليه وأنفق) على حصته كنفقة حيوانه.

(وإن أنفق الشريك) على بناء حصة شريكه (بإذنه) أي إذن شريكه (أو إذن حاكم أو) أنفق (بنية رجوع) بغير إذنهما (رجع) على شريكه (بما أنفق بالمعروف على حصة الشريك) لأنه قام عنه بواجب" انتهى.

وقال محمد قدري باشا في "مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان"، ص 107: " (مادة 654): إذا احتاج الملك المشترك إلى مرمة أو عمارة، يعمّره أصحابه بالاشتراك على قدر حصصهم" انتهى.

هذا ما قرره الفقهاء في العمارة والإصلاح.

ويدخل في ذلك ما لو احتاج العقار إلى صيانة جدار أو حمام أو مصعد، أو تنظيف بالوعة، أو إخراج كناسة، ونحو ذلك، فإنه يجب على جميع الشركاء.

والظاهر أن جميع الأمور المشتركة التي هي لصالح العقار أو لصالحهما، تلحق بذلك، فتلزمهما معا، كالنظافة، والذهاب لدفع الكهرباء أو لمقابلة المحصّل؛ لأنها مصلحة تعود لهما جميعا، فليس من العدل أن يكلّف بها واحد دون الآخر.

وكذلك فتح الباب للطارق، إن كان كل منهما له من يزوره ويأتيه، أو كان الطرق لمصلحتهما معا، لزمهما التناوب في فتح الباب أو معرفة الطارق.

وقد روى البخاري في "صحيحه" (2890)، ومسلم (1119)، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: " كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي السَّفَرِ فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ، قَالَ: فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ أَكْثَرُنَا ظِلًّا صَاحِبُ الْكِسَاءِ وَمِنَّا مَنْ يَتَّقِي الشَّمْسَ بِيَدِهِ قَالَ: فَسَقَطَ الصُّوَّامُ، وَقَامَ الْمُفْطِرُونَ فَضَرَبُوا الْأَبْنِيَةِ، وَسَقَوُا الرِّكَابَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ‌(ذَهَبَ ‌الْمُفْطِرُونَ ‌الْيَوْمَ بِالْأَجْرِ).

فانظر كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن المفطرين قد فازوا بالأجر، دون الصوام، لأنهم انفردوا بالعمل والخدمة دونهم، مع أن الصائمين إنما تخلفوا عن ذلك بسبب وهنهم وضعفهم بالصيام مع السفر؟!

قال الإمام أبو العباس القرطبي، رحمه الله: " " وقوله: (‌ذهب ‌المفطرون ‌اليوم بالأجر)؛ يعني: أنهم لما قاموا بوظائف ذلك الوقت، وما يحتاج إليه فيه؛ كان أجرهم على ذلك أكثر من أجر من صام ذلك اليوم، ولم يقم بتلك الوظائف". انتهى، من "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (3/ 182).

وقال الإمام ابن دقيق العيد، رحمه الله:

" فيه وجهان:

أحدهما: أن يراد بالأجر أجر تلك الأفعال التي فعلوها، والمصالح التي جرت على أيديهم. ولا يراد مطلق الأجر على سبيل العموم.

والثاني: أن يكون أجرهم قد بلغ في الكثرة بالنسبة إلى أجر الصوم مبلغا ينغمر فيه أجر الصوم فتحصل المبالغة بسبب ذلك. ويجعل كأن الأجر كله للمفطر. وهذا قريب مما يقوله بعض الناس في إحباط الأعمال الصالحة ببعض الكبائر، وأن ثواب ذلك العمل صار مغمورا جدا بالنسبة إلى ما يحصل من عقاب الكبيرة، فكأنه كالمعدوم المحبط، وإن كان الصوم ههنا ليس من المحبطات، ولكن المقصود: التشبيه في أن ما قل جدا قد يجعل كالمعدوم مبالغة. وهذا قد يوجد مثله في التصرفات الوجودية، وأعمال الناس في مقابلتهم حسنات من يفعل معهم منها شيئا بسيئاته، ويجعل اليسير منها جدا كالمعدوم بالنسبة إلى الإحسان والإساءة". انتهى، من "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" (2/ 22).

وليتأمل هذا الأخ، ما وره مسلم في "صحيحه" (2699)، وغيرُه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( وَاللهُ ‌فِي ‌عَوْنِ ‌الْعَبْدِ ‌مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ).

فجعل عون الله لعبده، جزاء له على عون أخيه المسلم في حاجته؛ فكيف بمن يتباله، ويتبلد عن خدمة نفسه، ويدع ذلك على أخيه، أو صاحبه وشريكه؟!

وقد ترجم الإمام البخاري في "صحيحه": " ‌‌بَابُ خِدْمَةِ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ".

ثم روى فيه (5363) حديث الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ: "سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها، مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ فِي الْبَيْتِ؟

قَالَتْ: كَانَ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، فَإِذَا سَمِعَ الْأَذَانَ خَرَجَ".

وترجم في كتابه الآخر "الأدب المفرد": ‌‌بَابُ مَا يَعْمَلُ الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ.

وروى فيه (539): عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها: مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ؟

قَالَتْ: ( يَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ ).

وفي رواية عنها (540) قَالَتْ في جوابها: "مَا يَصْنَعُ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ؛ يَخْصِفُ النَّعْلَ، وَيَرْقَعُ الثَّوْبَ، وَيَخِيطُ".

وفي رواية ثالثة (541): قَالَتْ: ( كَانَ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ، يَفْلِي ثَوْبَهُ، وَيَحْلِبُ شَاتَهُ ).

وكان أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه يحلبُ للحيِّ أغنامهم، فلمَّا استخلف، قالت جاريةٌ منهم: الآن لا يحلُبُها، فقال أبو بكر: بلى وإني لأرجو أن لا يغيِّرني ما دخلتُ فيه عن شيءٍ كنتُ أفعلُه، أو كما قال.

وإنَّما كانوا يقومون بالحِلاب؛ لأنَّ العربَ كانت لا تَحلُبُ النِّساءُ منهم، وكانوا يستقبحون ذلك، فكان الرجالُ إذا غابوا، احتاج النساءُ إلى من يحْلُبُ لهنَّ....

وكان عمر يتعاهد الأرامل، فيستقي لهنَّ الماءَ باللَّيل.

ورآه طلحةُ بالليل يدخلُ بيتَ امرأةٍ، فدخلَ إليها طلحةُ نهاراً، فإذا هي عجوزٌ عمياءُ مقعدةٌ، فسألها: ما يصنعُ هذا الرَّجلُ عندك؟ قالت: هذا له منذ كذا وكذا يتعاهدني يأتيني بما يُصلِحُني، ويخرج عنِّي الأذى، فقال طلحة: ثكلتك أمُّكَ طلحةُ، عثراتِ عمر تتبع؟

وكان أبو وائل يطوفُ على نساء الحيِّ وعجائزهم كلَّ يوم، فيشتري لهنَّ حوائجهنّ وما يُصلِحُهُنَّ.

وقال مجاهد: صحبتُ ابنَ عمر في السفر لأخدمه، فكان يخدُمُني.

وكان كثيرٌ من الصَّالِحين يشترطُ على أصحابه في السفر أنْ يخدُمَهم.

وصحب رجلٌ قوماً في الجهاد، فاشترط عليهم أنْ يخدُمَهم، فكان إذا أرادَ أحدٌ منهم أنْ يغسل رأسه أو ثوبه، قال: هذا من شرطي، فيفعله، فمات فجرَّدوهُ للغسل، فرأَوا على يده مكتوباً: من أهل الجنَّة، فنظروا، فإذا هي كتابةٌ بين الجلد واللحم...

ويُروى عن رجلٍ من أسلم أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِي بطعامٍ في بعض أسفاره، فأكل منه وأكل أصحابُهُ، وقبض الأسلميُّ يده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مالك؟) فقال: إنِّي صائمٌ، قال: (فما حملَك على ذلك؟) قال: معي ابناي يرحلان لي ويخدُماني، فقال: (مازال لهُمُ الفضلُ عليك بعدُ).

وفي " مراسيل أبي داود " عن أبي قِلابة أنَّ ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قدِموا يُثنونَ على صاحبٍ لهم خيراً، قالوا: ما رأينا مثلَ فلانٍ قطُّ، ما كان في مسيرٍ إلاَّ كان في قراءةٍ، ولا نزلنا منْزلاً إلاَّ كان في صلاةٍ، قال: (فمن كان يكفيه ضيعته؟) حتى ذكر: (ومن كان يعلِف جمله أو دابَّته؟) قالوا: نحن، قال: (فكلُّكم خيرٌ منه).

ذكر ذلك كله ابن رجب الحنبلي، رحمه الله في "جامع العلوم والحكم" في شرح الحديث السادس والثلاثين، عند قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ).

فعلى هذا الأخ الممتنع من الأعمال المذكورة أن يتقي الله تعالى، وأن يجتنب الظلم، وألا يحمل أخاه ما لا يلزمه ولا يرضاه، وأن ينظر كيف موضع الأسوة والقدوة بالنبي صلى الله عليه وسلم، والصالحين: فيلزمه، ويدع تزيين الشيطان له.

ثم على الأخوين: مراعاة ما بينهما من الرحم والجوار، فصلة الرحم من أعظم القربات، والإحسان إلى الجار من آكد ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم ، فكيف بأخيه الذي يعيش معه في نفس البيت .

والله أعلم


 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب