الحمد لله.
أولا:
إذا احتلم الإنسان ولم يجد بللا، أو منيا يابسا، فلا غسل عليه؛ لما روى البخاري (130) ومسلم (313) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ : جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ ، فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِذَا رَأَتْ الْمَاءَ ).
وروى أحمد (26195) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرَّجُلِ يَجِدُ الْبَلَلَ وَلَا يَذْكُرُ احْتِلَامًا . قَالَ : يَغْتَسِلُ . وَعَنْ الرَّجُلِ يَرَى أَنَّهُ قَدْ احْتَلَمَ وَلَا يَرَى بَلَلًا . قَالَ : لَا غُسْلَ عَلَيْهِ . فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ : هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ تَرَى ذَلِكَ شَيْءٌ ؟ قَالَ : (نَعَمْ ، إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ). والحديث حسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/130) : " إذا رأى أنه قد احتلم , ولم يجد منيا , فلا غسل عليه . قال ابن المنذر : أجمع على هذا كل من أحفظ عنه من أهل العلم ...
وإن انتبه فرأى منيا، ولم يذكر احتلاما، فعليه الغسل، لا نعلم فيه اختلافا أيضا " انتهى .
ثانيا:
لا يجب الغسل بانتقال المني عند جمهور الفقهاء.
وينظر: جواب السؤال رقم: (40126).
ثالثا:
إذا رأى بعد استيقاظه بمدة قطراتٍ بيضاءَ صغيرةً، على شكل خيط غير متصل، ففيه تفصيل:
1-فإن كان ذلك قبل التبول، فالظاهر أنه مني، لوجود الاحتلام، وشعوره بانتقال المني، فيلزم الغسل.
جاء في " الموسوعة الفقهية " (16/51) : " ويعتبر جنبا من انتقل منيه من محله بشهوة، وخرج لا عن شهوة : عند المالكية والشافعية والحنابلة وأبي حنيفة ومحمد" انتهى .
2-وإن كان ذلك بعد التبول، فالظاهر أنه ودي؛ فإنه الذي يكون بعد البول، ولأنه لو كان منيا من الاحتلام لدفعه البول فخرج أولا.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "(وعنه إن خرج قبل البول وجب الغسل ).
وعنه، أي: عن الإمام أحمد ( إن خرج قبل البول وجب له الغسل )؛ لأنا نعلم أنه المني المنتقل.
إذاً إن خرج قبل البول وجب الغسل؛ لأنه المني المنتقل، وإن خرج بعده لم يجب.
لماذا؟ لأنه يحتمل أنه غيره، وهو خارج لغير شهوة.
يعني: إذا انتقل، وقلنا: لا يجب الغسل، ثم خرج قبل البول، فإنه يجب الغسل؛ لأن هذا المني هو المني المنتقل الذي قلنا: إنه لا يجب الغسل بانتقاله.
وإن خرج بعده، فإنه لا يجب الغسل؛ لأنه لو كان المني الأول، لدفعه البول وخرج، فلمّا لم يدفعه البول ولم يخرج، فإنه يحتمل أنه مني جديد خرج بغير شهوة، والمني إذا خرج بغير شهوة، فإنه لا يوجب الغسل " انتهى من التعليق على "الكافي" لابن قدامة.
وكلام الشيخ رحمه الله فيما لو تحقق أن الخارج مني، وما جاء في السؤال الظاهر أنه ودي؛ فهو أولى بألا يوجب الغسل.
رابعا:
إذا شك الإنسان في الخارج: هل هو مني أو ودي، فمذهب الشافعية أنه يتخير بينهما، فيجعل له حكم أحدهما، ولا حرج في الأخذ بهذا المذهب، لما فيه من الرفق والتيسير. لا سيما إن كان يكثر ذلك منه، أو كان موسوِسا، أو متكلفا، يكثر التدقيق، كما قد يظهر من السؤال.
قال الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (1/ 215): " فإن احتمل كون الخارج منيا أو غيره كودي أو مذي، تخيّر بينهما على المعتمد، فإن جعله منيا اغتسل، أو غيره توضأ وغسل ما أصابه؛ لأنه إذا أتى بمقتضى أحدهما برئ منه يقينا، والأصل براءته من الآخر، ولا معارض له" انتهى.
فلا حرج لو اعتبرت الخارج منيا واغتسلت، أو اعتبرته وديا وتوضأت منه، وغسلت ما أصابك منه إن وجد.
فإن لم يكن من وقع ذلك منه: موسوِسا، ولا كان ذلك يكثر منه، بحيث يشق عليه، فاحتاط لنفسه، واغتسل؛ فهو حسن.
والله أعلم.
تعليق