الحمد لله.
أولا:
من أصيب الخرف أو الزهيمر يحجر عليه في ماله، فيمنع من التصرف فيه، لكن لا يحجر عليه إلا القاضي الشرعي، فإن لم يوجد، عيّن أولاده أمينا على ماله، يحفظ ماله، وينفق عليه منه، كما بينا في جواب السؤال رقم: (202990).
ولا يجوز لمن ولي ماله أن يتصرف فيه إلا بما فيه مصلحته.
ثانيا:
يجب إخراج الزكاة في ماله؛ لأن الزكاة تتعلق بالمال، فتجب في مال الصغير والمجنون، إذا بلغ المال نصابا وحال عليه الحول.
قال ابن قدامة في “المغني” (2/ 465) متحدثا عن إخراج زكاة الصبي والمجنون: “إذا تقرر هذا، فإن الولي يخرجها عنهما من مالهما؛ لأنها زكاة واجبة، فوجب إخراجها، كزكاة البالغ العاقل، والولي يقوم مقامه في أداء ما عليه.
ولأنها حق واجب على الصبي والمجنون، فكان على الولي أداؤه عنهما، كنفقة أقاربه.
وتعتبر نية الولي في الإخراج، كما تعتبر النية من رب المال” انتهى.
وينظر: جواب السؤال رقم: (75307).
ثالثا:
إذا كنتَ مدينا لا تجد وفاء لدينك، فيجوز أن يدفع القائم على مال والدتك زكاتها لك، لتسدد دينك لها، مع عدم الشرط، أو التواطؤ، فلا يقول: بشرط أن تسدد به دين والدتك، ولا يقول: خذ وسدد دين والدتك، وإنما يدفعه لك لأنك غارم.
فإن دفعه لك، لزمك شرعا سداد الدين.
وإنما جاز ما ذكرنا؛ لأمرين:
الأول: أن الأم لها أن تعطي من زكاتها لولدها ليسدد دينه؛ لأنه لا يلزمها سداد دينه، بخلاف النفقة، لو كان فقيرا وكانت غنية، فإنه يلزمها نفقته.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في “الاختيارات” (ص 104): ” ويجوز صرف الزكاة إلى الوالدين وإن علوا – يعني الأجداد والجدات – وإلى الولد وإن سفل – يعني الأحفاد – إذا كانوا فقراء وهو عاجز عن نفقتهم، وكذا إن كانوا غارمين أو مكاتبين أو أبناء السبيل ” انتهى باختصار.
الثاني: أن المزكي له أن يعطي لزكاته لغريمه من غير شرط أو مواطأة.
قال البهوتي في “كشاف القناع” (2/ 288): ” (و) يجوز أيضا دفع الزكاة (إلى غريمه)؛ لأنه من جملة الغارمين (ليقضي) بها (دينه، سواء دفعها إليه ابتداء) قبل الاستيفاء، (أو استوفى حقه ثم دفعها إليه ليقضي دين المقرض.
ما لم يكن حيلة؛ نصا). قال أحمد: إن كان حيلة فلا يعجبني، ونقل عنه ابن القاسم: إن أراد الحيلة لم يصلح، ولا يجوز. (وقال أيضا: إن أراد إحياء ماله: لم يجز.
وقال القاضي وغيره: معنى الحيلة، أن يعطيه بشرط أن يردها عليه من دَينه …
(وإن رد الغريم، من نفسه، ما قبضه، وفاءً عن دينه، من غير شرط ولا مواطأة: جاز) لرب المال (أخذه) من دينه؛ لأنه بسبب متجدد، كالإرث والهبة” انتهى.
وقال ابن عطوة رحمه الله: ” إذا كان لرجل على آخر دين، فدفع إليه من الزكاة قدرا، فأوفاه به، ثم دفعه إليه، ثم أوفاه به مرة، أو مرتين أو ثلاثا: صح، إذا لم يحصل تواطؤ، أو شرط.
فالتواطؤ: أريد أن أعطيك كذا من الزكاة، وتوفيني به.
والشرط: أريد أن أدفع إليك من الزكاة كذا، على أن توفيني به؛ فهذا غير جائز، وغير صحيح” انتهى من “الفواكه العديدة” (1/ 249).
فلو كانت الأم مكلفة لجاز أن تعطيك من زكاتها لتسدد الدين الذي عليك.
فيجوز لمن يلي النظر في مالها، أن يفعل ذلك.
فإن كنتَ أنت من يلي مالها، فليس لك أن تُقبض نفسك الزكاة؛ لأن الوكيل في إخراج الزكاة ليس له أن يدفعها لنفسه، وهو مذهب الجمهور، وينظر: “تبيين الحقائق” (1/ 305)، “كشاف القناع” (3/ 363).
وينظر: جواب السؤال رقم: (49899).
وإنما يتولى ذلك غيرك، كأحد إخوتك، فيعطيك من الزكاة لسداد دينك، فإذا قبضت المال، سددت به الدين، فتعطيه لأخيك ليضمه إلى مال والدتك.
والله أعلم.
تعليق