الحمد لله.
أولا:
جاء في سجود التلاوة ما رواه أحمد (24022)، وأبو داود (1414)، والنسائي (1129) والترمذي (580) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ، يَقُولُ فِي السَّجْدَةِ مِرَارًا: سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ وصححه الألباني، وصححه أيضا: محققو المسند، ط الرسالة (40/23).
قال في "عون المعبود شرح أبي داود" (4/ 203): "(وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ) تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ أَيْ فَتَحَهُمَا وَأَعْطَاهُمَا الْإِدْرَاكَ وَأَثْبَتَ لَهُمَا الْإِمْدَادَ بَعْدَ الْإِيجَادِ (بِحَوْلِهِ) أَيْ بِصَرْفِهِ الْآفَاتِ عَنْهُمَا (وَقُوَّتِه) أَيْ قُدْرَتِهِ بِالثَّبَاتِ وَالْإِعَانَةِ عَلَيْهِمَا" انتهى.
وروى الترمذي (759) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي رَأَيْتُنِي اللَّيْلَةَ وَأَنَا نَائِمٌ كَأَنِّي أُصَلِّي خَلْفَ شَجَرَةٍ، فَسَجَدْتُ، فَسَجَدَتِ الشَّجَرَةُ لِسُجُودِي، فَسَمِعْتُهَا وَهِيَ تَقُولُ: اللَّهُمَّ اكْتُبْ لِي بِهَا عِنْدَكَ أَجْرًا، وَضَعْ عَنِّي بِهَا وِزْرًا، وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَكَ ذُخْرًا، وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَهَا مِنْ عَبْدِكَ دَاوُدَ!!".
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " فَقَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجْدَةً، ثُمَّ سَجَدَ، فَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ مِثْلَ مَا أَخْبَرَهُ الرَّجُلُ عَنْ قَوْلِ الشَّجَرَةِ" وحسنه الحافظ ابن حجر، كما في "الفتوحات الربانية" (2/276)، والألباني.
قال الملا علي القاري، رحمه الله:
"(كأني أصلي خلف شجرة، فسجدت) : يحتمل أن تكون السجدة صلاتية، والأظهر أنها سجدة تلاوة، وأن الآية آية (ص).
(فسجدت الشجرة لسجودي، فسمعتها) : أي: الشجرة (تقول: اللهم اكتب لي) : أي: أثبت لأجلي (بها) : أي: بسبب هذه السجدة أو بمقابلتها، والضمير للسجدة المفهومة من سجدت.
(عندك) : ظرف لـ " اكتب " أي: حيث لا يتبدل، أو المراد من فضلك.
(أجرا) : أي: عظيما.
(وضع) : أي: حط كما في نسخة (عني بها وزرا) ، أي: ذنبا ثقيلا جسيما.
(واجعلها لي) : أي: باعتبار ثوابها (عندك ذخرا) : أي: كنزا ضخيما، قيل: ذخرا بمعنى: أجرا، وكرر لأن مقام الدعاء يناسب الإطناب، وقيل: الأول طلب كتابة الأجر، وهذا طلب بقائه سالما من محبط أو مبطل، وهذا هو الأظهر.
(وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود) : عبدا كريما، وفيه إيماء إلى أن سجدة (ص) للتلاوة. وقول ابن حجر: هو مسلَّم، لو لم يعارضه ما هو صريح في أنها سجدة شكر مدفوع بعدم التنافي بين كونها سجدة تلاوة وسجدة شكر ...
قال ابن الملك: يجوز كون القائل ملكا، ويجوز أن الله تعالى خلق فيها نطقا، كما في شجرة موسى عليه الصلاة والسلام قلت: حالة الرؤيا خيالية محتاجة إلى التعبير، وليست محققة لتحتاج إلى التأويل". انتهى، من "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (2/ 817).
وسجدة داود عليه السلام هي ما وردت في سورة ص، قال تعالى: (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ) ص/24.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (369431).
والله أعلم.
تعليق