الخميس 4 جمادى الآخرة 1446 - 5 ديسمبر 2024
العربية

ما وجه سؤال الكفار يوم القيامة واستفهامهم عن الذين كانوا يعدونهم من الأشرار؟

531333

تاريخ النشر : 02-12-2024

المشاهدات : 285

السؤال

سؤالي حول قوله تعالى: (وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار)، أليس هؤلاء الكفار انتبهوا علي بطلان منهجهم في القبر لما عاينوا عذاب القبر؟
بمعني كيف يقولون هذا وهم قد عرفوا في القبر أن من خالفهم كانوا علي الحق؟

الجواب

الحمد لله.

أولًا:

الكفار القائلون هذه العبارة المذكورة في الآية الكريمة ﴿وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ * أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ﴾ ص/ 62-63،  قالوها من باب الندم، والحسرة على ما أصابهم، وتأنيب نفوسهم على ما فعلوا، وما آل إليه أمرهم. فقولهم كنا نعدهم من الأشرار؛ أي: في الحياة الدنيا.

قال الشوكاني رحمه الله:

"المعنى أتخذناهم سخريا في الدنيا، فأخطأنا. أم زاغت عنهم الأبصار، فلم نعلم مكانهم؟

والإنكار المفهوم من الاستفهام متوجه إلى كل واحد من الأمرين. قال الحسن: كل ذلك قد فعلوا: اتخذوهم سخريا، وزاغت عنهم أبصارهم.

قال الفراء: والاستفهام هنا بمعنى التوبيخ والتعجب" انتهى من "فتح القدير" للشوكاني (4/ 507).

وعن عن قتادة قال: قوله تعالى: (وَقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأشْرَارِ) قال: فقدوا أهل الجنة (أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا) في الدنيا (أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأبْصَارُ) وهم معنا في النار"انتهى من "تفسير الطبري" (21/ 232).

وقال مجاهد: أتخذناهم سخريا في الدنيا، فأخطأنا" "تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن" (15/ 224):

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

" قوله تعالى: {مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ} كنا، أي: في الدنيا {نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ} نعدهم يعني باعتقادنا {مِنَ الْأَشْرَارِ* أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا} أي: في الدنيا" انتهى من "تفسير سورة ص لابن عثيمين" (ص:219).

ثانياً:

أحوال القبور، وأهوالها: ليست محلا للعلم، فإنها حال متوسطة بين الدنيا والآخرة.

وليس في شيء من النصوص أن أهل القبور، من الصالحين أو الطالحين: ينظر في حال غيره، لا من أهل الدنيا، ولا من أهل القبور، ولا أنه يعرف مصائر غيره، لا من المصدقين، ولا من المكذبين؛ بل إنما يهمه أمر نفسه، وما يسأل عنه في قبره. ثم لا نعلم ما يكون من حاله بعد ذلك على التفصيل.

وإذا قدر أنه علم بمصائر غيره، فأهوال الحشر عظيمة، لا يعلم قدرها إلا الله تعالى. وإذا كان الله تعالى قد أخبرنا عن طرف من هذه الأهوال، فقال:  بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ ‌زَلْزَلَةَ ‌السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ) الحج/1-2؛ فمن شأن الساعة وهولها أن يذهل المرء، عما لا يعقل أن يذهل عنه، كما تذهل المرضعة عن رضيعها؛ فكيف بأمر لا نتحقق أنه كان يعلمه، وهو تحقق الكافر بمصائر المؤمنين قبل أن يكون هو في النار، ولا يراهم؛ فليس عندنا دليل بين على أنه تحقق ذلك أصلا. ولا دليل على أنه إن تحققه، فقد بقي معه علمه إلى تلك الحال.

وهذا كله، إذا حملنا السؤال على حقيقته؛ وإلا، فقد قال المفسرون إن المراد بذلك السؤال: إنما هو التندم، ولوم أنفسهم، وتقريعها؛ أن صار حالها إلى النار، وصار حال الآخرين، الذين يسخرون منهم إلى النجاة منها.

والحاصل:

أنه لا إشكال في سؤال أهل النار، عن مصير المؤمنين، وما انتهى إليه أمرهم من النجاة من النار؛ سواء قلنا: إن السؤال على حقيقته، أو قلنا: إنهم لم يكونوا يسألون عن مصيرهم، حقيقة، بل إنما عادوا على أنفسهم بالسؤال، تندما، وتقريعا لها.

والله أعلم
 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب