الثلاثاء 23 جمادى الآخرة 1446 - 24 ديسمبر 2024
العربية

هل ترك الشيء بسبب قبح اسمه يعد من التشاؤم؟

532300

تاريخ النشر : 29-09-2024

المشاهدات : 693

السؤال

في السيرة النبوية عندما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر لم يسلك الطرق التي سميت حزن وشاش، وسلك الطريق الذي اسمه مرحب، في حياتنا لو تركنا شيئا بسبب اسمه أو ما شابه ذلك ألا يعتبر هذا من التشاؤم؟ وضحوا لنا هذه المسألة.

الجواب

الحمد لله.

أولا:

كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن ويتفاءل به، ويكره الاسم القبيح ولا يتطير ولا يتشاءم به.

وقد روى أبو داود (3920) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ: ” أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَتَطَيَّرُ مِنْ شَيْءٍ، وَكَانَ إِذَا بَعَثَ عَامِلًا سَأَلَ عَنِ اسْمِهِ ، فَإِذَا أَعْجَبَهُ اسْمُهُ فَرِحَ بِهِ ، وَرُئِيَ بِشْرُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، وَإِنْ كَرِهَ اسْمَهُ رُئِيَ كَرَاهِيَةُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، وَإِذَا دَخَلَ قَرْيَةً سَأَلَ عَنِ اسْمِهَا ، فَإِنْ أَعْجَبَهُ اسْمُهَا ، فَرِحَ وَرُئِيَ بِشْرُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، وَإِنْ كَرِهَ اسْمَهَا رُئِيَ كَرَاهِيَةُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ ” .وصححه الألباني في “صحيح أبي داود” .

قال في “عون المعبود” (10/ 296): ” (كَرَاهِيَةُ ذَلِكَ) أَيْ ذَلِكَ الِاسْمِ الْمَكْرُوهِ (فِي وَجْهِهِ) لَا تَشَاؤُمًا وَتَطَيُّرًا بِاسْمِهِ، بَلْ لِانْتِفَاءِ التَّفَاؤُلِ” انتهى.

وروى البزار (4383) عَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم : ( إِذَا أَبْرَدْتُمْ إِلَيَّ بَرِيدًا: فَأَبْرِدُوهُ حَسَنَ الْوَجْهِ، حَسَنَ الاسْمِ ) وصححه الألباني في “الصحيحة” ” (1186)

قال المناوي رحمه الله: ” للتفاؤل بِحسن صورته، واسْمه ” انتهى من “التيسير” (1/ 57) “

وروى الإمام أحمد (8393)، وابن ماجه (3536) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: ” كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ، وَيَكْرَهُ الطِّيَرَةَ ” وصححه الألباني.

ومن الفأل: أنه لما جاء سهيل بن عمرو في صلح الحديبية، ليفاوض النبي صلى الله عليه وسلم عن قريش، قال صلى الله عليه وسلم: (سهُل أمركم). وينظر: “زاد المعاد” (3/ 272).

قال النفراوي رحمه الله: ” (و) كان عليه السلام (يحب الفأل) بالهمزة يجمع على فؤول (الحسن) وهو ما ينشرح له صدره كالكلمة الطيبة. ففي الصحيح: (لا طيرة، وخيرها الفأل. قيل: يا رسول الله وما الفأل؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم)، وفي رواية: (ويعجبني الفأل)، وفي رواية: (وأحب الفأل الصالح).

مثاله: إذا خرج لسفر أو إلى عيادة مريض وسمع: يا سالم يا غانم أو يا عافية.

هذا إذا لم يقصده.

وأما إذا قصد سماع الفأل، ليعمل على ما يسمع من خير أو شر: فلا يجوز؛ لأنه من الأزلام المحرمة التي كانت تفعلها الجاهلية …

فمن أراد أمرا وسمع ما يسوء: لا يرجع عن أمره، وليقل: اللهم لا يأتي بالخير إلا أنت , ولا يأتي بالشر أو لا يدفع الشر إلا أنت ” انتهى من “الفواكه الدواني” (2/ 342).

ثانيا:

لم نقف على شيء من الحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك شيئا لقبح اسمه، وإن كان يكره ذلك.

وما ذكرته من الطرق وترك النبي صلى الله عليه وسلم لها، أوردها الواقدي في المغازي، ومحمد بن عمر الواقدي (ت207 هـ) ضعيف عند المحدثين، فلا يعتمد على ما يرويه لا سيما إذا تعلق الأمر بحكم شرعي، عقدي أو فقهي.

قال الواقدي في “المغازي” (2/ 639) : ” ثُمّ دَعَا بِالْأَدِلّاءِ فَجَاءَ حُسَيْلُ بْنُ خَارِجَةَ الْأَشْجَعِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ نُعَيْمٍ الْأَشْجَعِيّ. قَالَ: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لِحُسَيْلٍ: امْضِ أَمَامَنَا حَتّى تَأْخُذَنَا صُدُورُ الْأَوْدِيَةِ، حَتّى نَأْتِيَ خَيْبَرَ مِنْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشّامِ، فَأَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الشّامِ وَبَيْنَ حُلَفَائِهِمْ مِنْ غَطَفَانَ.

فَقَالَ حُسَيْلٌ: أَنَا أَسْلُكُ بِك. فَانْتَهَى بِهِ إلَى مَوْضِعٍ لَهُ طُرُقٌ، فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّ لَهَا طُرُقًا يُؤْتَى مِنْهَا كُلّهَا.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَمّهَا لِي! وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ وَالِاسْمَ الْحَسَنَ، وَيَكْرَهُ الطّيَرَةَ وَالِاسْمَ الْقَبِيحَ.

فَقَالَ الدّلِيلُ: لَهَا طَرِيقٌ يُقَالُ لَهَا حَزَنٌ. قَالَ: لَا تَسْلُكْهَا! قَالَ: لَهَا طَرِيقٌ يُقَالُ لَهَا شاش. قَالَ: لَا تَسْلُكْهَا! قَالَ: لَهَا طَرِيقٌ يُقَالُ لَهَا حَاطِبٌ. قَالَ: لَا تَسْلُكْهَا!

قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: مَا رَأَيْت كَاللّيْلَةِ أَسَمَاءً أَقْبَحَ! سَمّ لِرَسُولِ اللهِ! قَالَ: لَهَا طَرِيقٌ وَاحِدَةٌ لَمْ يَبْقَ غَيْرُهَا. فَقَالَ عُمَرُ: سَمّهَا. قَالَ: اسْمُهَا مَرْحَبٌ.

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ اُسْلُكْهَا! قَالَ عُمَرُ: أَلّا سَمّيْت هَذَا الطّرِيقَ أَوّلَ مَرّةٍ! ” انتهى.

وفي بيان حال الواقدي، قال الذهبي في ترجمته:

“محمد بن عمر بن واقد الأسلمي مولاهم، الواقدي، المديني، القاضي، صاحب التصانيف والمغازي، العلامة، الإمام، أبو عبد الله، أحد أوعية العلم على ضعفه، المتفق عليه…

جمع فأوعى، وخلط الغث بالسمين، والخرز بالدر الثمين، فاطَّرحوه لذلك، ومع هذا، فلا يستغنى عنه في المغازي، وأيام الصحابة، وأخبارهم…”.

وختم ترجمته بقوله: “وقد تقرر أن الواقدي ضعيف، يُحتاج إليه في الغزوات والتاريخ، ونورد آثاره من غير احتجاج، أما في الفرائض، فلا ينبغي أن يذكر، فهذه الكتب الستة، ومسند أحمد، وعامة من جمع في الأحكام، نراهم يترخصون في إخراج أحاديث أناس ضعفاء، بل ومتروكين، ومع هذا لا يخرجون لمحمد بن عمر شيئا، مع أن وزنه عندي أنه – مع ضعفه – يكتب حديثه ويروى؛ لأني لا أتهمه بالوضع، وقول من أهدره، فيه مجازفة من بعض الوجوه، كما أنه لا عبرة بتوثيق من وثقه: كيزيد، وأبي عبيد، والصاغاني، والحربي، ومعن، وتمام عشرة محدثين؛ إذ قد انعقد الإجماع اليوم على أنه ليس بحجة، وأن حديثه في عداد الواهي -رحمه الله-” انتهى من “سير أعلام النبلاء” (9/ 454- 469).

والحاصل: أنه لا يحتج بما رواه الواقدي في ذلك.

ثالثا:

من رأى أو سمع ما يكره، فلا يصدنه عن وجهته، فإن ذلك من التشاؤم والتطير.

روى أحمد (7045) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ مِنْ حَاجَةٍ، فَقَدْ أَشْرَكَ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ، مَا كَفَّارَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ:  أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ: اللهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ، وَلَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ وحسنه شعيب في تحقيق المسند.

وروى مسلم (537) من حديث معاوية بن الحكم السلمي قال: وَمِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ، قَالَ صلى الله عليه وسلم: ذَاكَ شَيْءٌ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ، فَلَا يَصُدَّنَّهُمْ.

قال النووي رحمه الله في “شرح مسلم” (5/ 22): ” وفي رواية: (فلا يصدنكم) قال العلماء: معناه أن الطيرة شيء تجدونه في نفوسكم ضرورة، ولا عتب عليكم في ذلك؛ فإنه غير مكتسب لكم، فلا تكليف به، ولكن لا تمتنعوا بسببه من التصرف في أموركم، فهذا هو الذي تقدرون عليه، وهو مكتسب لكم فيقع به التكليف، فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن العمل بالطيرة، والامتناع من تصرفاتهم بسببها.

وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة في النهي عن التطير والطيرة، وهي محمولة على العمل بها، لا على ما يوجد في النفس من غير عمل على مقتضاه عندهم” انتهى.

وقال القرطبيّ رَحِمَهُ اللَّهُ: “معنى ذلك أن الإنسان بحكم العادة يجد في نفسه نفرةً وكراهةً مما يُتطيَّر به، فينبغي له أن لا يلتفت إلى تلك النفرة، ولا لتلك والكراهة، ويمضي لوجهه الذي خرج إليه، فإن تلك الطيرة لا تضرّ، وإن لم تضرّ فلا تصدّ الإنسان عن حاجته، وأشار به إلى أن الأمور كلّها بيد اللَّه تعالى، فينبغي أن يُعوَّل عليه، وتُفَوَّضَ جميع الحوائج إليه، ويُفهَم منه أن هذا الوجدان لتك النفرة لا يُلام واجدها عليها شرعًا؛ لأنه لا يقدر على الانفكاك عنها، وإنما يلام الإنسان، أو يُمدَح على ما كان داخلًا تحت استطاعته” انتهى من “المفهم” (2/ 141).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب