الحمد لله.
قال ابن القيم رحمه الله: ” فائدة: قوله تعالى: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) جمع في هذا الدعاء بين حقيقة التوحيد، وإظهار الفقر والفاقة إلى ربه، ووجود طعم المحبة في المتملق له، والإقرار له بصفة الرحمة، وأنه أرحم الراحمين، والتوسل إليه بصفاته سبحانه، وشدة حاجته وهو فقره، ومتى وجد المبتلى هذا كشف عنه بلواه.
وقد جُرِّب: أنه من قالها سبع مرات، ولا سيما مع هذه المعرفة: كشف الله ضره” انتهى من الفوائد، 202
وهو كلام طيب في بيان معنى هذا الدعاء، وما اشتمل عليه من إظهار الفقر والحاجة، والتوسل إلى الله تعالى بصفاته.
وأما ما ذكره من تكرار هذا الدعاء سبع مرات، وأن من فعل ذلك كشف الله ضره، وأنه مجرب، فهذا على سبيل الرقية من المرض، والرقية ليست توقيفية، فلا حرج أن يُعتمد فيها على التجربة.
قال الدكتور خالد السبت حفظه الله: ” وهذا يكون من باب الرقية، أو الدعاء المجرب، والدعاء لا يشترط أن يكون وارداً، والرقية هي من باب الطب، والطب الأصل فيه الإباحة، فإذا لم يشتمل على محرم فلا إشكال، إذا دلت التجربة على صحته، وفائدته” انتهى من “المصباح المنير في التفسير”، انتهى.
ومما يدل على أن الرقية ليست توقيفية:
1-ما روى مسلم (2200) عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، قَالَ: ” كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: (اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ).
2-وروى مسلم (2199) عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: “نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرُّقَى، فَجَاءَ آلُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ كَانَتْ عِنْدَنَا رُقْيَةٌ نَرْقِي بِهَا مِنَ الْعَقْرَبِ، وَإِنَّكَ نَهَيْتَ عَنِ الرُّقَى، قَالَ: فَعَرَضُوهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: (مَا أَرَى بَأْسًا مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَنْفَعْهُ).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ” وقد تمسك قوم بهذا العموم، فأجازوا كل رقية جربت منفعتها، ولو لم يُعقل معناها.
لكن دل حديث عوف أنه مهما كان من الرقى يؤدي إلى الشرك: يمنع.
وما لا يُعقل معناه: لا يؤمن أن يؤدي إلى الشرك، فيُمنع احتياطا” انتهى من “فتح الباري” (10/ 195).
3-وروى أبو داود (3887) عَنِ الشِّفَاءِ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَتْ: “دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا عِنْدَ حَفْصَةَ فَقَالَ لِي: (أَلَا تُعَلِّمِينَ هَذِهِ رُقْيَةَ النَّمْلَةِ كَمَا عَلَّمْتِيهَا الْكِتَابَةَ) وصححه الألباني.
والنملة: قروح تخرج في الجنب.
وهذه الرقية كانت الشفاء بنت عبد الله ترقي بها في الجاهلية، كما جاء عند ابن حبان (6092) عَنْ كُرَيْبٍ الْكِنْدِيِّ، قَالَ: “أَخَذَ بِيَدِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، فَانْطَلَقْنَا إِلَى شيخ من قريش يقال له: بن أَبِي حَثْمَةَ، يُصَلِّي إِلَى أُسْطُوَانَةٍ، فَجَلَسْنَا إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى عَلِيًّا، انْصَرَفَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: حَدِّثْنَا حَدِيثَ أُمُّكَ فِي الرُّقْيَةِ، قَالَ حَدَّثَتْنِي أُمِّي أَنَّهَا كَانَتْ تَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ، قَالَتْ: لَا أَرْقِي حَتَّى اسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَتْهُ فَاسْتَأْذَنَتْهُ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ارْقِي؛ مَا لَمْ يَكُنْ فيها شرك).
والحديث صححه شعيب الأرنؤوط، وقال: ” قوله: “حدثتني أمي” هي الشفاء بنت عبد الله، وهي جدته لا أمه، ولكنه سماها أمه على عادة العرب في تسمية الجدة أما، وتسمية الجد أباً” انتهى.
4-وروى أحمد (21941)، والترمذي (1557) عَنْ عُمَيْرٍ، مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ قَالَ: ” شَهِدْتُ خَيْبَرَ مَعَ سَادَتِي، فَكَلَّمُوا فِيَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَلَّمُوهُ أَنِّي مَمْلُوكٌ، قَالَ: فَأَمَرَ بِي، فَقُلِّدْتُ السَّيْفَ، فَإِذَا أَنَا أَجُرُّهُ، فَأَمَرَ لِي بِشَيْءٍ مِنْ خُرْثِيِّ المَتَاعِ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِ رُقْيَةً كُنْتُ أَرْقِي بِهَا المَجَانِينَ، فَأَمَرَنِي بِطَرْحِ بَعْضِهَا، وَحَبْسِ بَعْضِهَا” وصححه الألباني.
ولفظ أحمد: (قَالَ: اطْرَحْ مِنْهَا كَذَا وَكَذَا، وَارْقِ بِمَا بَقِيَ).
فهذا يدل على أن الرقية ليست توقيفية، بل يجتهد فيها، ولو كانت مستعملة في الجاهلية، ثم تعرض على الشرع، فيرد منها ما كان شركا، أو مشتملا على باطل.
فإذا ثبت بالتجربة نفع دعاء معين بعدد معين، فلا حرج في استعماله.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (120175)، ورقم: (419460).
والله أعلم.
تعليق