الحمد لله.
أولا:
روى مسلم في صحيحه (2635) بسنده عن أبي حسان، قال: قلت لأبي هريرة: " إِنَّهُ قَدْ مَاتَ لِيَ ابْنَانِ، فَمَا أَنْتَ مُحَدِّثِي عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَدِيثٍ تُطَيِّبُ بِهِ أَنْفُسَنَا عَنْ مَوْتَانَا؟ قَالَ: قَالَ: نَعَمْ، (صِغَارُهُمْ دَعَامِيصُ الْجَنَّةِ يَتَلَقَّى أَحَدُهُمْ أَبَاهُ - أَوْ قَالَ أَبَوَيْهِ -، فَيَأْخُذُ بِثَوْبِهِ - أَوْ قَالَ بِيَدِهِ -، كَمَا آخُذُ أَنَا بِصَنِفَةِ ثَوْبِكَ هَذَا، فَلَا يَتَنَاهَى - أَوْ قَالَ فَلَا يَنْتَهِي - حَتَّى يُدْخِلَهُ اللهُ وَأَبَاهُ الْجَنَّةَ).
والدعاميص : جمع ( دُعْمُوص )، أَيْ صِغَار أَهل الجنة , وَأَصْل الدُّعْمُوص دُوَيْبَّة تَكُون فِي الْمَاء لَا تُفَارِقهُ، أَيْ أَنَّ هَذَا الصَّغِير فِي الْجَنَّة لَا يُفَارِقهَا.
وَقَوْله ( بِصَنِفَةِ ثَوْبك ) : أي طرف ثوبك. ولا يتناهى : أي لا يتركه.
انظر: فتوى رقم: (98575)، (117432).
ثانيا:
أما عن الجمع بين هذا الحديث وبين قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا) رواه البخاري (6527)، ومسلم(2859)، (غرلا) أي: غير مختونين. مصداقاً "لقول الله تعالى: (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) [الأنعام/94] وقوله: (كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ). والملابس يومئذ لا غناء فيها إلا ما كان من لباس الجنة". انتهى من "التوضيح لشرح الجامع الصحيح لابن الملقن"(19/367).
فيقال فيه: هناك عدة أوجه في الجمع بينهما:
- فأول هذه الوجوه، وأقواها: أنه قد تقرر اختلاف الأحوال والمواقف يوم القيامة؛ ومن ذلك الاختلاف: أن الناس يحشرون عراة أولاً، ثم يُكسون بعد ذلك، وأول من يكسى: إبراهيم عليه السلام، كما في حديث عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: "خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ إِلَى اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ، وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) [الأنبياء/ 104]، ثُمَّ إِنَّ أَوَّلَ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ القِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ) رواه البخاري(4740). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "فتكون أولية إبراهيم في الكسوة بالنسبة لبقية الخلق" انتهى من "فتح الباري" (11/385)، وقال الصنعاني رحمه الله: "(فيأخذ بثوبه) كأنه بعد أن يكسوهم الله تعالى"انتهى من "التنوير شرح الجامع الصغير" (6/581). وهذا هو أرجح الأقوال في الجمع بين الحديثين.
- أنه هنا قد شك الراوي هل قال صلى الله عليه وسلم: (فيأخذ بثوبه)، أو قال (بيده)،. ورواية «بيده» موافقة للحديث الثابت: « يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً..»، وأما قوله: « كَمَا آخُذُ أَنَا بِصَنِفَةِ ثَوْبِكَ هَذَا»، فهو تشبيه أخذ الصغير بيد أحد أبويه، كما يأخذ أحدنا طرف ثوب شخصٍ آخر. قال المناوي رحمه الله: "(يتلَقَّى أحدهم أَبَاهُ فَيَأْخُذ بِثَوْبِهِ): يعْنى يتَعَلَّق بِهِ، كَمَا يتَعَلَّق الْإِنْسَان بِثِيَاب من يلازمه؛ وَإِلَّا فالخلق فِي الْموقف عُرَاة" انتهى من "التيسير بشرح الجامع الصغير" (2/89).
وقد قيل في الجمع بين الحديثين غير ذلك، وما ذكرناه في الوجه الأول: هو أرجح هذه الأقوال، وهو ظاهر يغني عن غيره، إن شاء الله.
وينظر: "البعث والنشور" للبيهقي (ص: 224). وانظر: "فتح الباري" (11/383).
وينظر للفائدة : فتوى رقم: (21679).
والله أعلم.
تعليق