أولا:
تعليق الإبراء من الدين على موت الدائن، كأن تقول والدتك: إن متُ فأنت في حل، أو برئية من الدين، له حكم الوصية، أي كما لو أوصت لك بعد موتها بقدر الدين، ولكن لا تصح الوصية لوارث ولا تجوز؛ لما روى أبو داود (2870)، والترمذي (2120)، والنسائي (4641)، وابن ماجه (2713) عن أَبي أُمَامَةَ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ صححه الألباني في "صحيح أبي داود".
فلا يجوز لوالدتك أن تقول ذلك لك، وإذا كان لك إخوة كان هذا محرما من جهة أخرى وهي تفضيلك عليهم، وهذا مناف للعدل المأمور به.
فلو قال الدائن هذا لغير وارث، صح؛ لأن الوصية لغير الوارث صحيحة جائزة.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (4/234) : " يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ التَّعْلِيقُ عَلَى مَوْتِ الْمُسْقِطِ ، وَيُعْتَبَرُ وَصِيَّةً ، كَقَوْلِهِ لِمَدِينِهِ : إِذَا مِتُ فَأَنْتَ بَرِيءٌ " انتهى .
وقال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (3/ 318): "(وإن قال:) المقرض للمقترض (إن متُّ - بضم التاء - فأنت في حل: فوصية صحيحة)، كسائر الوصايا " انتهى.
فالمانع هنا كونك ابنة لها، فلا تصح الوصية لك.
ثانيا:
إذا قال الدائن للمدين: إن متَّ فأنت في حل، أو سقط عنك الدين، فهذا إبراء معلق على شرط، وأكثر الفقهاء على أنه لا يصح تعليق الإبراء.
قال البهوتي في الموضع السابق: " (و) إن قال له: إن متَّ (بفتحها) أي: التاء، فأنت في حل (لا يصح،؛ لأنه إبراء معلق بشرط)؛ وشرط الإبراء أن يكون منجزا، كالهبة" انتهى.
وفي "المغني" (4/ 243): " وإن قال: إن متَّ فأنت في حل. لم يصح؛ وذلك لأن هذا إبراء معلق على شرط، ولا يصح تعليقه على الشروط" انتهى.
والراجح جواز التعليق.
قال ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين" (5/ 402): "المثال الحادي والسبعون: إذا كان له عليه دين فقال: "إن متَّ قبلي فأنت في حل، وان مت قبلك فأنت في حل" صح وبرئ في الصورتين، فإنَّ إحداهما وصية، والأخرى إبراء معلق بالشرط، ويصح تعليق الإبراء بالشرط؛ لأنه إسقاط، كما يصح تعليق العتق والطلاق، وقد نص الإمام أحمد رحمه اللَّه في الإحلال من العرض والمال مثله.
وقال أصحابنا وأصحاب الشافعي: إذا قال: "إن متُّ قبلك فأنت في حل" هو إبراء صحيح، لأنه وصية، وان قال: "إن متَّ قبلي فأنت في حل"، لم يصح، لأنه تعليق للإبراء بالشرط.
ولم يقيموا شبهة، فضلًا عن دليل صحيح، على امتناع تعليق الإبراء بالشرط، ولا يدفعه نص ولا قياس ولا قول صاحب.
فالصواب صحة الإبراء في الموضعين" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في التعليق على الكافي: " القارئ: وإن قال إن مِتَّ فأنت في حل لم يصح لأنه إبراء علق على شرط.
الشيخ: الصحيح أنه صحيح، وأن الإبراء على شرط لا بأس به، فلو كان لشخص دين في ذمة رجل وقال له: إن فعلت كذا فقد أبرأتك، فلا حرج، وما المانع، فهو شرط لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً، ولا يوقع في ربا ولا في ظلم.
فالصواب: أن الإبراء المعلق على شرط جائز، وليس فيه بأس" انتهى.
لكن إن كان لك إخوة، وجب على والدتك العدل، فيجب أن تعطى أخواتك البنات مثلك، وأن تعطي الذكور ضعف ما أعطتك، وإلا وقعت في الجور والظلم؛ لما روى البخاري (2586) ومسلم (1623) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا فَقَالَ: أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ قَالَ لَا قَالَ: فَارْجِعْهُ ومعنى (نحلت ابني غلاما) أي أعطيته غلاما.
ورواه البخاري (2587) عَنْ عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ لَا قَالَ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ قَالَ فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ".
وفي رواية للبخاري أيضا (2650): لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (333467)، ورقم: (225739).
فالحاصل:
أن تعليق المسامحة على موت الدائن يجوز لأنه وصية، لكن لا يجوز لك، لأنك وارثة ولا وصية لوارث.
وتعليق المسامحة على موتك، جائز، بشرط أن تعدل والدتك بينك وبين إخوتك إن كان لك إخوة.
والله أعلم.