هل ينال فضل المتحابين في الله إذا كان الحب من طرف واحد؟

السؤال: 574874

المتحابون في الله تعالى، لو أحب شخص صديقه حبا في الله تعالى، وكان يتمنى دوما بأن يكون هو وصديقه من الذين قيل فيهم هؤلاء المتحابون في الله، لكن صديقه الذي أحبه لم يحبه، فهل يكونا من المتحابين في الله تعالى؟

ملخص الجواب

التحابّ يقتضي الاشتراك من الطرفين في المحبة، ولكن من أحب غيره في الله نال فضلا عظيما، ولو لم يحصل بينهما لقاء، أو كان الآخر لا يدري عن محبته، أو ينفر منه.

موضوعات ذات صلة

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولا:

الحب في الله، ولله: طاعة عظيمة، وقربة كريمة، وهي أوثق عرى الإيمان، وثوابها يناله الإنسان ولو كان من أحبه قد مات، أو لا يدري عنه، أو ربما كان نافرا منه، فمن أحب شخصا لله أثيب على ذلك، ودخل في جملة من أحب لله.

قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ: أَنْ تُحِبَّ فِي اللهِ، وَتُبْغِضَ فِي اللهِ) رواه أحمد (18524) وحسنه محققو المسند، وكذا حسنه الألباني في "صحيح الترغيب" (3030).

وفي حديث أَنَس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ السَّاعَةِ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ قَالَ: لَا شَيْءَ إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ.

قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ، فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ) رواه البخاري (3688) ومسلم (2639).

وروى البخاري (6169) ومسلم (2640) عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ).

فقد يرى الإنسان شخصا فيحبه الله، أو يقرأ سيرته أو يسمع عنه فيحبه، وليس بينهما تلاقٍ، فيدخل في هذا الفضل.

وكذا لو فرض أنه أحب شخصا لله، وذلك المحبوب ينفر منه أو لا يألفه.

ثانيا:

وفي المحبة درجة أخرى، وهي التحابّ من الطرفين في الله، ولها ثواب خاص، كما روى البخاري (6806) ومسلم (1031) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ فِي خَلاَءٍ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسْجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ إِلَى نَفْسِهَا، قَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا صَنَعَتْ يَمِينُهُ).

وروى أبو داود (3527) عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لَأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ، وَلَا شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بِمَكَانِهِمْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ، قَالَ: (هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ، وَلَا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا، فَوَاللَّهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ، وَإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ، وَلَا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ» وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس: 62]) وصححه الألباني.

وروى الترمذي (2390) عن معَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: المُتَحَابُّونَ فِي جَلَالِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ) وصححه الألباني.

وروى مسلم (2566) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي، الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي).

وهذا التحابّ يقتضي الاشتراك من الطرفين في المحبة.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "الفتح" (2/ 145): " قوله: (تحابا) بتشديد الباء، وأصله تحاببا؛ أي اشتركا في جنس المحبة، وأحب كل منهما الآخر، حقيقة لا إظهارا فقط.

ووقع في رواية حماد بن زيد: "ورجلان قال كل منهما للآخر إني أحبك في الله، فصدرا على ذلك" ونحوه في حديث سلمان.

قوله: (اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه): في رواية الكشميهني "اجتمعا عليه" وهي رواية مسلم، أي على الحب المذكور. والمراد: أنهما داما على المحبة الدينية، ولم يقطعاها بعارض دنيوي، سواء اجتمعا حقيقة، أم لا؛ حتى فرق بينهما الموت. ووقع في الجمع للحميدي: "اجتمعا على خير" ولم أر ذلك في شيء من نسخ الصحيحين، ولا غيرهما من المستخرجات، وهي عندي تحريف. تنبيه: عدت هذه الخصلة واحدة، مع أن متعاطيها اثنان؛ لأن المحبة لا تتم إلا باثنين، أو لما كان المتحابان بمعنى واحد، كان عد أحدهما مغنيا عن عد الآخر؛ لأن الغرض عدُّ الخصال، لا عدُّ جميع من اتصف به" انتهى.

وهذا التحابُّ في الله يتفاوت، وقد يكون الرجل يحب أخاه أكثر من حبه له، فيكون أحب إلى الله تعالى، كما في أنسِ بْنِ مالكٍ رضي الله عنهُ قال: قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ما تَحابَّ رجلانِ في الله إلا كانَ أحبَّهما إلى الله عزَّ وجلَّ أشَدّهما حبّاً لِصاحِبِه) رواه الطبراني وأبو يعلى، ورواه ابن حبان في "صحيحه" والحاكم؛ إلا أنَّهما قالا: "كانَ أفْضَلَهُما أشَدّهما حُبّاً لِصاحِبِه". والحديث صححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (3014).

فهذان يدخلان في "المتاحبّين"، مع أن محبتهما متفاوتة، فأحدهما أشد حبا لصاحبه.

قال الوزير ابن هبيرة، رحمه الله: «وأما الرجلان المتحابان في الله عز وجل، فإنهما يُعرفان بأن يُنظر إلى الجامع بينهما؛ وأنه ليس عن قرابة تُرعى، ولا عن رحم تُبَلُّ، ولا عن تجارة تَضم، ولا عن سفر يَجمع، ولا عن دنيا تُرَبُّ، ولا عن خِدمة مخدوم تَجمع؛ بل حب لله عز وجل؛ يَعرف هذا من هذا حبَّه لله، ويعرف هذا من هذا حبَّه لله، فيتحابا في الله؛ من حيث إنهما إذا اجتمعا: تذاكرا ذلك، وأفاضا فيه، وتعاوداه، وتهاديا ادِّكاره؛ فاجتمعا على ذلك إذا اجتمعا، وافترقا على ذلك إذا افترقا؛ فكانا من المتحابين في الله عز وجل.

فإن اتفق أن يكونا نسيبين، لكل واحد منهما في حب الله عز وجل معاملة، من صلة الرحم منه: فذلك أفضل.

فإن كان أحدهما يحب الآخر في الله عز وجل، بحسب ما ظهر له من أمارات حب الله، فلم يكن باطن الآخر على ما كان عليه ظاهره أثاب الله المخلص، ولم يأخذه بجريرة الغال" انتهى من "الإفصاح عن معاني الصحاح" (6/ 236).

والحاصل:

أن من أحب غيره في الله، فقد دخل في فضيلة عظيمة، فإن كان التحابّ من الطرفين كان ذلك أعظم.

وينظر: جواب السؤال رقم: (469011)، ورقم: (216483)، ورقم: (472130).

والله أعلم

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android