أولًا:
ذكر الله تعالى أعظم العبادات القولية، وأحبها إليه تعالى، والعبادات كلها توقيفية، لا يجوز لأحد أن يعبد الله إلا بما شرعه.
وينبغي للمسلم أن يحافظ على أوراد له من الذكر والدعاء في يومه وليلته، فهي كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "محافظة الإنسان على أورادٍ له، من الصلاة، أو القراءة، أو الذكر، أو الدعاء، طرفي النهار، وزلفا من الليل، وغير ذلك؛ فهذا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصالحين من عباد الله، قديمًا وحديثًا"، انتهى من "مجموع الفتاوي" (22/ 521).
وخير ما يوظَّف من الأذكار هو ما رغَّب فيه النبي صلى الله عليه وسلم، فإن خير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، فينبغي أن تكون أذكار المسلم موافقة لما بيّنه النبي صلى الله عليه وسلم من الألفاظ، وأن يجعلها في أوقاتها المعيَّنة وبأعدادها المحددة، وفق ما بيَّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأعداد والأوقات.
ولا حرج (بل يستحب) أن يتخذ العبدُ لنفسه ما شاء من الأوراد المطلقة التي رغَّب الشرع في الإكثار منها دون تحديد بوقت ولا تقييد بعدد، كما رغب في الإكثار من التحميد، والتسبيح، والتهليل، والحولقة، والصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاء، وغير ذلك.
والشأن في ذلك كله: التقيد بما شرعه الله تعالى، والاكتفاء بالدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الله تعالى لا يرضى إلا أن يُعبد وحده لا شريك له، ولا يرضى إلا أن يعبد بما شرعه، فما شُرع من العبادات مخصصًا ومقيدًا فالواجب التعبد به كذلك، وما شرع مطلقًا فلا يجوز تخصيصه وتقييده وإلا كان التخصيص والتقييد من قبيل البدع المذمومة، ويراجع للفائدة جواب السؤال: (569934).
فيجب الحذر من أن يخرج الذاكر عن الأوراد النبوية المرغَّب فيها، إلى أوراد وأحزاب محدثة الألفاظ، "ففي الأحزاب النبوية، والأوراد الشرعية، غنية لأهل الملة الحنيفية"، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الرد على الشاذلي" (ص11).
ولا شكَّ أنَّ: "الله سبحانه وتعالى قد شرع على لسان رسوله، صلى الله عليه وسلم، للمسلمين من الأذكار والدعوات التي تُقال في اليوم والليلة، وتسمّى عملَ يومٍ وليلة، والتي تقال عند الأحوال العارضة؛ ما يحصِّل مقصودَ العابدين لرب العالمين.
مثل ما يقال في الصلاة، وأدبار الصلوات، وطَرَفي النهار، وعند النوم، وعند التعارّ من الليل، والانتباه آخر الليل، وفي صلوات الليل، وعند دخول المسجد والمنزل والخلاء، والخروج من ذلك، وعند الأكل والشرب واللباس، والركوب والنكاح، وعند السفر، ودخول السوق، والقيام من المجلس، والوضوء، وما يقال عند الخوف، وعند الكرب، وعند الغمّ، وعند سماع صوت الدّيك والحمار والكلب، وعند المرض وعيادة المريض، وغير ذلك"، كما في "الرد على الشاذلي" لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص10).
والمقصود:
أن فيما شرعه رب العالمين سبحانه على لسان النبي صلى الله عليه وسلم من الأذكار، في كثرتها وتنوعها وشمولها لأحوال اليوم والليلة، بل أحوال العام ومواسم العمر؛ غنيةٌ وكفايةٌ، وإشغال العمر كله بالوارد المأمور به، مع عظيم نفعه وبركته وأجره، مع أجر الامتثال واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا:
كلمة الشهادتين من خير ما يحبه الله تعالى من العبادات القولية، فهي من خير الألفاظ التي رغّب النبيُّ صلى الله عليه وسلم في التعبُّد بقولها، وقول الشهادتين تارة يكون واجبًا على المسلم كقولها في تشهد الصلاة، وتارة يكون مستحبًا له كذكرها بعد الوضوء، لقول النبي الله صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحدٍ يتوضأ فيُبْلِغ - أو فيُسبِغ – الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا عبد الله ورسوله؛ إلا فُتِحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء)، رواه مسلم (234).
وليس ثم خلاف بين المسلمين أن كلمة الشهادتين من خير ما يُتعبَّد به من العبادات القولية.
وأما خصوص الصيغة المذكورة في السؤال، وهي قول: (أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله)؛ فليس فيها كلمة إلا وهي من الذِّكر الذي رغَّب فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وإن لم تكن هذه الجملة واردة عنه صلى الله عليه وسلم بهذا التأليف والترتيب والجمع.
وعليه: فلا حرج أن تجعل هذه الجملة - بهذا الترتيب والتأليف المذكور- ضمن حزبك وأذكارك اليومية، فإن أجزاء الجملة كلها من جنس الأذكار المشروعة، الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم مفرَّقة، غير مجموعة كما سبق.
وإنما الذي يجب عليك حتى يخلُص عملك من البدعة والإثم، أمران:
الأول: ألا تدعو أحدًا إلى التزام الذكر بهذه الجملة المؤلَّفة، فإنه لا يجوز أن يُدعَى الناس إلى الاجتماع على عمل شيء مخصوص أو الالتزام بشيء مخصوص، حتى يكون لهم سنةً راتبةً وشعارًا، أو يكون مما يلتزمون به وتوظيفه؛ إلا ما جمع النبي صلى الله عليه وسلم عليه الناس من الأقوال والأعمال.
وإنما يُدعى الناس إلى التزام ما رغَّب النبي صلى الله عليه وسلم في التزامه من الذكر، فجعَلَه مما يؤمر به عموم المؤمنين، وجوبًا أو استحبابا، ويكون مع الحفاظ على لفظ الرسول أيضًا، كما سبق، فإن الإيمان بإكمال الدين وإتمام النعمة، وبأنّ الرسول قد بلَّغ الناسَ كلَّ ما يحتاجون إليه في دنياهم وأخراهم؛ يقتضي ذلك.
والثاني: ألا تعتقد في نفسك أن هذا اللفظ المخصوص - الحاصل بعد هذا التأليف بين الجمل والكلمات - أفضل من اللفظ الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، فإن ألفاظ الأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم هي خير الذكر وأشمله وأعظمه ثوابا، وأنفعه للذاكر.
هذا؛ والذي نبذله لك من النصح، ألا تجعل التزامك بهذه الجملة بمثابة التزامك بالوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، أي: فلا تداوم عليه وتحافظ عليه كمداومتك على الوارد المسنون ومحافظتك عليه، فإن في الوارد من الأذكار كفاية وغنية كما سبق شرحه.
بل لو أحببنا لنصحناك بما هو أفضل لك، وهو أن تجعل وردك من الثابت الوارد الذي يؤدي معنى ما أردت من الشهادتين، وزيادة ذلك: بركة الاتباع.
فلو جعلت وردك : (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)؛ لكان خيرا لك، وكان دركا لما لهذا الذكر العظيم، والدعاء الجليل من الفضائل.
وينظر: جواب السؤال رقم: (259154).
وينظر أيضا للفائدة: جواب السؤال رقم: (503868).
والله أعلم.