أدنى أهل الجنة منزلة، هل نعيمه يشبه نعيم ملوك الدنيا؟

السؤال: 591463

هل كل نعيم الجنة لم تره أعين الناس؛ لأن لدي سؤال، حول حديث: (سأل موسى ربَّهُ فقال : يا ربِّ ما أدنى أهلِ الجنةِ منزلَةً ؟ قال : هو رجلٌ يجيءُ بعدما يدْخُلُ أهلُ الجنةِ الجنةَ فيقالُ لَهُ: ادخلِ الجنَّةَ، فيقولُ : أيْ ربِّ كيفَ وقد نزل الناسُ منازِلَهم وأخذُوا أخَذَاتِهم ؟ فيقالُ لَهُ : أترْضَى أنْ يكونَ لَكَ مثلُ ملْكِ ملِكٍ مِنْ ملوكِ الدنيا ؟ فيقولُ : رضيتُ ربِّ ، فيقولُ : لكَ ومثْلُهُ ومثلُهُ ومثلُهُ ، فقال في الخامِسَةِ : رضيتُ ربِّ ، فيقولُ هذا لَكَ وعشرةُ أمثالِهِ ولَكَ ما اشتَهَتْ نفْسُكَ ولذَّتْ عينُكَ . فيقولُ رضيتُ ربِّ ! قال : ربِّ فأعلاهم منزِلَةً ، قال أولئكَ الذينَ أردْتُّ ، غرسْتُ كرامتَهم بيدِي ، وختمْتُ عليها فلَمْ تَرَ عينٌ ، ولم تسمعْ أُذُنٌ ، ولم يخْطُرْ على قلْبِ بشرٍ).
فهل يكون له شبيه بأحد ملوك الدنيا؟ وهل معنى هذا أن نعيمه قد رأته عين بشر؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولا:

حديث: سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ: مَا أَدْنَى أَهْلِ ‌الْجَنَّةِ ‌مَنْزِلَةً؟ قَالَ: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَمَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ؟ فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ، فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ، فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ، قَالَ: رَبِّ، فَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً؟ قَالَ: أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، قَالَ: وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللهِ عز وجل: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ، الْآيَةَ.

هذا الحديث رواه الإمام مسلم (189)، وبيّن أنه وقع اختلاف بين روّاته؛ فمنهم من ساقه موقوفا على المغيرة بن شعبة، ومنهم من رفعه، فرواه عن المغيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:

" حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الْأَشْعَثِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، وَابْنِ أَبْجَرَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، رِوَايَةً إِنْ شَاءَ اللهُ.

(ح) وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، حَدَّثَنَا مُطَرِّفُ بْنُ طَرِيفٍ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ سَعِيدٍ سَمِعَا الشَّعْبِيَّ يُخْبِرُ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُهُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَرْفَعُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

قَالَ: وَحَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ، وَاللَّفْظُ لَهُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ، وَابْنُ أَبْجَرَ، سَمِعَا الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، قَالَ سُفْيَانُ: رَفَعَهُ أَحَدُهُمَا، أُرَاهُ ابْنَ أَبْجَرَ " انتهى.

وقد رجّح بعض أئمة الحديث الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

فالإمام الترمذي رحمه الله تعالى، رواه مرفوعا (3198)، وصححه، عن سُفْيَان، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ، وَعَبْدِ الْمَلِكِ وَهُوَ ابْنُ أَبْجَرَ، سَمِعَا الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ، يَرْفَعُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ مُوسَى سَأَلَ رَبَّهُ. الحديث.

لكن لم يرد فيه الشطر الأخير عن أعلى أهل الجنة منزلة.

ثم قال الترمذي: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ، وَالْمَرْفُوعُ أَصَحُّ" انتهى.

ورجح بعضهم الوقف، على أنه من كلام المغيرة، كالإمام الدارقطني، حيث قال رحمه الله تعالى: " ولم يرفع هذا الحديث غير ابن عيينة، والمحفوظ: موقوف، ورواه غير ابن عيينة، عن ابن أبجر موقوفا " انتهى. "علل الدارقطني" (7 / 131).

لكن يشهد للمرفوع: ما رواه البخاري (4779)، ومسلم (2824): عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: قالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ على قَلْبِ بَشَرٍ. قالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ .

ثانيا:

سياق هذا الحديث: يدل على أن هذا النعيم الذي لم تسمع به أذن، خاص بطبقة الصالحين، أصحاب المنازل العالية نسأل الله الكريم أن يجعلنا وإياكم من أهلها.

قال القرطبي في تفسير قول الله تعالى: ( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) : "والمعنى المراد: أنه أخبر تعالى بما لهم من النعيم الذي لم تعلمه نفس ولا بشر ولا ملك...

قلت: ‌وهذه ‌الكرامة ‌إنما هي لأعلى أهل الجنة منزلا، كما جاء مبينا في "صحيح مسلم" عن المغيرة بن شعبة يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: سأل موسى عليه السلام ربه. الحديث.… " انتهى. "تفسير القرطبي" (17/35).

وهذا لا يعني أن من دونهم: نعيمُهم له مثيل حقيقي في الدنيا، فجملة: أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ المراد بها: التشبيه في القدر، والسعة؛ وأما حقيقة هذا النعيم؛ فهو، وإن شُبه بما ذكر من مُلك ملوك الدنيا؛ فهذا التشابه إنما هو في أسماء أجناس هذه النعم فقط، كالخمر والعسل وغير ذلك، فأخبر به الوحي ليدفع هممَ الناس إلى الإيمان والعمل الصالح؛ لأنهم يعرفون نظائر هذه النعم في الدنيا وتشتهيها نفوسهم وترغب فيها وتطلبها. وأما حقائق هذا النعيم، على ما هي عليه: فلا يشبهها شيء في الدنيا قط، ولا تدرك العقول كنهها، لأنها لم تر، ولم تذق لها مثيلا، وإنما يدركها أهلها هناك، بالذوق، والوُجدان.

فقد روى ابن أبي حاتم في "التفسير" (1 / 66)، والطبري في "التفسير" (1 / 416) من طرق: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " لَيْسَ فِي الْجَنَّةِ شَيْءٌ يُشْبِهُ مَا فِي ‌الدُّنْيَا ‌إِلا ‌الأَسْمَاءَ ".

وروى الطبري في "التفسير الطبري" (1/ 416)، قال: وحدَّثني يونسُ بنُ عبدِ الأعلى، قال. أخبرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال عبدُ الرحمنِ بنُ زيدٍ في قولِه: وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا . قال: ( يعرِفون أسماءَه كما كانوا في الدنيا، التُّفَّاحُ بالتُّفَّاحِ، والرُّمَّانُ بالرُّمَّانِ، قالوا في الجَنَّةِ: هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ في الدنيا وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا يعرِفونه، وليس هو مثلَه في الطعمِ ).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" فالمتشابه من الخبر: مثلُ ما أخبر به في الجنة، من اللحم واللبن والعسل والماء والحرير والذهب؛ فإن بين هذا وبين ما في الدنيا تشابه في اللفظ والمعنى، ومع هذا فحقيقة ذلك مخالفة لحقيقة هذا؛ وتلك الحقيقة لا نعلمها نحن في الدنيا " انتهى. "مجموع الفتاوى" (17 / 372).

ثم إن أصحاب المنازل العليا، لهم من وراء ذلك، من النعيم: ما لم يُسْمَع به قط، ولم يأت خبر بمثله قط، ولا يتصوره عقل، قط!! وبذلك صرح حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ على قَلْبِ بَشَرٍ، ذُخْرًا، بَلْهَ ما أُطْلِعْتُمْ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . رواه البخاري (4780)، ومسلم (2824).

فجملة: ( بَلْهَ ما أُطْلِعْتُمْ عَلَيْهِ )، وفي بعض روايات "صحيح البخاري" وردت: ( مِنْ ‌بَلْهَ ‌مَا ‌أُطْلِعْتُمْ ‌عَلَيْهِ)؛ فكلمة ( بَلْهَ ) بدون "من" تكون بمعنى: دعْ.

قال الخطابي رحمه الله تعالى:

" قوله: ( بَلْهَ )، كلمة تكون بمعنى: كيف، وبمعنى دع. وتقال أيضا بمعنى أجل.

كأنه يريد به: دع ما أطلعتم، فإنه سهل، أو يسير في جنب ما ذخرته لهم ... " انتهى. "أعلام الحديث" (3 / 1889).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" قوله: (مِنْ ‌بَلْهَ ‌مَا ‌أُطْلِعْتُمْ ‌عَلَيْهِ)، قال الخطّابيّ: كأنّه يقول: دع ما أطلعتم عليه؛ فإنّه سهل في جنب ما ادّخر لهم. قلت: وهذا لائق بشرح بَلْهَ بغير تقدّم من عليها " انتهى. "فتح الباري" (8 / 516).

ورواية: ( مِنْ ‌بَلْهَ ): تكون بمعنى: سوى، وغير.

قال ابن فارس رحمه الله تعالى:

" و ( بَلْهَ ) بمعنى سوى، وقد تكون بمعنى دع.

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: ( أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ على قَلْبِ بَشَرٍ بَلْهَ ما أطلعتهم عَلَيْهِ ) " انتهى. "مجمل اللغة" (ص133).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" قوله: (‌ بَلْهَ ما أُطْلِعْتُمْ عَلَيْهِ )، تأتي بمعنى الإضراب، وبمعنى غير وكيف، فحيث أدخل عليها "من" فهي بمعنى: غير، لا غير " انتهى. "هدي الساري" (ص90).

وعلى كلتا الروايتين، فالمعنى أن هذا النعيم الذي طوي عنا خبره، هو زائد على النعيم الذي فُصِّل شأنه في نصوص الوحي.

قال القرطبي رحمه الله تعالى:

" قوله: ( أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ على قَلْبِ بَشَرٍ، ذُخْرًا ) ...

ومعنى هذا الكلام: أن الله تعالى ادخر في الجنة من النعيم والخيرات واللذات، ‌ما ‌لم ‌يطلع ‌عليه ‌أحد ‌من ‌الخلق، لا بالإخبار عنه، ولا بالفكرة فيه " انتهى. "المفهم" (7 / 172).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" ولما كانت الجنة فيها كل نعيم يتنعم به العباد، من غير تنغيص؛ مما يعرفونه وما لا يعرفونه، كما قال تعالى: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ، وقال: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ . وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يقول الله تعالى: إني أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. بله ما أطلعتم عليه، ثم قرأ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ الآية ).

وكان النعيم الذي فيها: منه ما له نظير عند المخاطبين، إذا ذُكر اشتاقوا إليه، ومنه ما لا نظير له عندهم

أخبرهم الله تعالى منه بما له نظير، فإنه بذلك يحصل شوقهم ورغبتهم فيما أمروا به.

ثم إذا فعلوا ما أمروا به؛ نالوا بذلك ما لم يخطر بقلوبهم، كما أخبر بذلك الكتاب والسنة " انتهى. "درء تعارض العقل والنقل" (6 / 74).

الخلاصة:

كون الله تعالى قد خصّ أصحاب المنازل العالية ببعض النعيم الذي لم تره عين ولم تسمعه أذن، ولم يخطر على قلب بشر، لا يعني هذا أن سائر نعيم الجنة قد رآه البشر في الدنيا أو وجد عند ملوك الدنيا، فما في الجنة من النعيم وإن وجد له نظير وشبيه في الدنيا فهذا في الأسماء فقط، أما الحقائق فمختلفة تماما.

وإنما الفرق بين النعيمين أن هذا النعيم المخصوص للعليين أخفاه الله عن عباده فلا يعلمون عن جنسه وحقيقته شيئا، فمادام لم تسمعه أذن فلا يستطيع القلب تخيله، فضلا عن أن تراه العين، أما سائر النعيم فقد أخبرنا الله به في نصوص الوحي فهذا قد يخطر جنسه في قلوب الناس فيطلبه أهل الجنة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" بل وقد أخبر الله أن في الآخرة من أنواع النعيم ما له شبه في الدنيا، كأنواع المطاعم والمشارب والملابس والمناكح وغير ذلك، وقد قال ابن عباس: ( لَيْسَ فِي ‌الدُّنْيَا مما فِي الْجَنَّةِ إِلا ‌الأَسْمَاءَ )، فحقائق تلك أعظم من حقائق هذه بما لا يعرف قدره، وكلاهما مخلوق، والنعيم الذي لا يعرف جنسه قد أجمله الله سبحانه وتعالى بقوله: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ .

وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( يَقُولُ اللهُ تعالى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ) " انتهى. "منهاج السنة النبوية" (2 / 157 – 158).

ولمزيد الفائدة تحسن مطالعة جواب السؤال رقم: (140514).

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android