فضل ليلة القدر وشرفها لذاتها ولما خُصت به من الفضائل ، وعلى رأسها نزول القرآن فيها ، ففضل ليلة القدر لذاتها؛ لقول الله تعالى : لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر/ 3].
فعبادة ليلة القدر أفضل من عبادة ألف شهر.
ولقوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) [الدخان/ 3]. فهذه الآية تدل على أن فضلها كان للأمرين؛ لذاتها، ولما خص فيها من الفضائل.
قال أبو بكر ابن العربي، رحمه الله: "البركة: هي النماء والزيادة، وسماها مباركة لما يعطي الله فيها من المنازل، ويغفر من الخطايا، ويقسم من الحظوظ، ويبث من الرحمة، وينيل من الخير، وهي حقيقة ذلك وتفسيره". "أحكام القرآن لابن العربي " (4/ 117).
وشرفها يعود لأمور عدة، منها:
1-أن الله تعالى أنزل القرآن الكريم جملةً واحدةً إلى السماء الدنيا في ليلة القدر؛ قال الله عز وجل: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر/ 1].
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَ الْقُرْآنُ فِي رَمَضَانَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَكَانَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَكَانَ إِذَا أَرَادَ اللهُ أَنْ يُحْدِثَ شَيْئًا نَزَّلَ فَكَانَ بَيْنَ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ عِشْرِينَ سَنَةً رواه النسائي في السنن الكبرى (7/247)، والحاكم في "المستدرك" (2/222)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" (1/572).
وصححه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (9/4)، والألباني، وقال: له حكم الرفع. ينظر: تفريغ "سلسلة الهدى والنور" للشيخ الألباني - الإصدار 4 (255/ 3).
2-اختصاصها بالتقدير السنوي: في كل عام يقدّر الله فيها مقادير العباد وأرزاقهم وسائر شؤونهم للسنة القادمة، كما قال تعالى: فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ.
قَالَ مجاهد رحمه الله: يُقْضَى فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مَا يَكُونُ فِي السَّنَةِ مِنْ رِزْقٍ أَوْ مُصِيبَةٍ، ثُمَّ يُقَدِّمُ مَا يَشَاءُ، وَيُؤَخِّرُ مَا يَشَاءُ، فَأَمَّا كِتَابُ الشَّقَاءِ وَالسَّعَادَةِ فَهُوَ ثَابِتٌ لَا يُغَيَّرُ . تفسير الطبري (13/ 562).
3-ووصف الله تعالى ليلة القدر بأنها مباركة (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) [الدخان/ 3].
4-يكثُر نزول الملائكة في ليلة القدر ومعهم جبريل عليهم السلام؛ قال الله تعالى: تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ [القدر/ 4].
5-ووصفها الله بأنها سلام، (سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) [القدر/ 5] : أي سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءا أو يعمل فيها أذى، كما قاله مجاهد. انظر: تفسير ابن كثير (4/531) .
6-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" رواه البخاري (1901)، ومسلم (759).
والله أعلم.