عذاب القبر ثابت في القرآن الكريم في مواضع كثيرة، وهو داخل في الإيمان باليوم الآخر.
هل في القرآن الكريم ما يدل على إثبات عذاب القبر؟
السؤال: 603274
ما هي الأدلة على عذاب القبر في القرآن، ولماذا لم يُذكر عذاب القبر في أركان الإيمان؟
ملخص الجواب
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أولا:
دل القرآن الكريم على إثبات عذاب القبر في مواضع كثيرة، جمعها السفاريني رحمه الله في "لوامع الأنوار البهية" (2/ 12)، فقال: " قال الحافظ جلال الدين السيوطي في كتابه "شرح الصدور في أحوال الموتى والقبور": وقد ذكر الله عذاب القبر في القرآن في عدة أماكن، كما بينته في الإكليل في أسرار التنزيل. انتهى.
قال الحافظ ابن رجب في كتابه "أهوال القبور" في «قوله تعالى: فلولا إذا بلغت الحلقوم [الواقعة: 83]- إلى قوله - إن هذا لهو حق اليقين [الواقعة: 95] عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآيات فقال: " إذا كان عند الموت قيل له هذا، فإن كان من أصحاب اليمين أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه ، وإن كان من أصحاب الشمال كره لقاء الله وكره الله لقاءه» ".
وأخرج الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه " فأكب القوم يبكون قال " ما يبكيكم؟ " قالوا: إنا نكره الموت قال ليس ذلك ولكنه إذا حُضر فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم، فإذا بشر بذلك أحب لقاء الله، والله للقائه أحب، وأما إن كان من المكذبين فنزل من حميم وتصلية جحيم، فإذا بشر بذلك كره لقاء الله والله للقائه أكره ".
وقال الإمام المحقق ابن القيم في كتاب الروح: قول السائل ما الحكمة في أن عذاب القبر لم يذكر في القرآن صريحا مع شدة الحاجة إلى معرفته والإيمان به ليحذره الناس ويُتقى؟ فأجاب عن ذلك بوجهين مجمل ومفصل:
أما المجمل فإن الله تعالى أنزل على رسوله وحيين، فأوجب على عباده الإيمان بهما والعمل بما فيهما، وهما الكتاب والحكمة. قال تعالى: وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة [النساء: 113] وقال الله تعالى هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم [الجمعة: 2]- إلى قوله - ويعلمهم الكتاب والحكمة [الجمعة: 2] وقال تعالى: واذكرن ما يتلى في بيوتكن مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ [الأحزاب: 34] الآية والحكمة هي السنة باتفاق السلف.
وما أخبر به الرسول عن الله فهو في وجوب تصديقه والإيمان به كما أخبر به الرب على لسان رسوله، فهذا أصل متفق عليه بين أهل الإسلام لا ينكره إلا من ليس منهم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إني أوتيت الكتاب ومثله معه ".
قال المحقق [ابن القيم]: وأما الجواب المفصل فهو أن نعيم البرزخ وعذابه مذكور في القرآن في مواضع:
(منها) قوله تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمْ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ [الأنعام: 93] ، وهذا خطاب لهم عند الموت قطعا وقد أخبرت الملائكة وهم الصادقون أنهم حينئذ يجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون، ولو تأخر عنهم ذلك إلى انقضاء الدنيا لما صح أن يقال لهم: اليوم تجزون عذاب الهون.
وقوله تعالى: فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر: 46-45]، فذكر عذاب الدارين صريحا لا يحتمل غيره.
ومنها: قوله تعالى: فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون [الطور: 45] انتهى كلامه.
وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو " اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر " وأخرج الترمذي عن علي رضي الله عنه قال: ما زلنا في شك من عذاب القبر حتى نزلت ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر [التكاثر: 1].
وقال ابن مسعود: إذا مات الكافر أُجلس في قبره، فيقال له من ربك وما دينك؟ فيقول لا أدري. فيضيق عليه قبره - ثم قرأ ابن مسعود " فإن له معيشة ضنكا " قال المعيشة الضنك هي عذاب القبر.
وقال البراء بن عازب رضي الله عنهما في قوله تعالى: عذابا دون ذلك [الطور: 47] قال: عذاب القبر.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر [السجدة: 21] قال: عذاب القبر.
وكذا قال قتادة والربيع بن أنس في قوله تعالى: سنعذبهم مرتين: إحداهما في الدنيا، والأخرى عذاب القبر" انتهى من لوامع الأنوار.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "يجب علينا أن نؤمن بأن الإنسان يعذب أو ينعم في قبره، والدليل على ذلك من الكتاب ومن السنة.
أما من الكتاب، فقال الله عز وجل: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيبين يَقُولونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادخلوا الجَّنة بِما كُنْتُم تَعْمَلُون) (النحل: 32). وهذا يدل على أنهم يأتيهم من نعيم الجنة في أول يوم يفارقون الدنيا.
وأما العذاب، فمن ذلك قوله تبارك وتعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) (الأنفال: 50) (إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ) أي: في تلك الساعة (يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ)" انتهى من "شرح السفارينية" (1/ 437).
فهذه ثمانية مواضع من القرآن تدل على عذاب القبر.
ثانيا:
عذاب القبر أو نعيمه داخل في ركن "الإيمان باليوم الآخر"، فإن القبر أول منازل الآخرة، كما روى أحمد (454) وابن ماجه (4267) عَنْ هَانِئٍ مَوْلَى عُثْمَانَ، قَالَ: كَانَ عُثْمَانُ إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بَكَى، حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ، فَقِيلَ لَهُ: تَذْكُرُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ فَلا تَبْكِي، وَتَبْكِي مِنْ هَذَا؟ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: الْقَبْرُ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ، فَإِنْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ، فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ إِلَّا وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ والحديث صححه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ومما يدخل في الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بعذاب القبر ونعيم القبر" انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (1/ 171).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (339143)، ورقم: (21713).
والله أعلم.
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟