يجوز اقتناء الكلب للحراسة الشخصية إذا خشيت على نفسك الأذى، ووضعك الكلب في مأوى خارجي هو الواجب؛ لأن الحاجة إليه في خارج البيت، ولا ضرورة لإدخاله البيت.
ما حكم اقتناء الكلب للحراسة الشخصية؟
السؤال: 606306
أنا فتاة أبلغ من العمر ١٩ عامًا، أعاني من القلق الاجتماعي، وألزم المنزل في الغالب، أعيش في بلد غالبية سكانه من غير المسلمين، وعلى الرغم من أن منطقتي يقطنها بعض المسلمين، فقد تعرضتُ لعدة حوادث مضايقة، أو اعتداء، أو تخويف من قِبَل رجال غير مسلمين عند خروجي بمفردي خلال النهار، حتى مع ملازمتي لقراءة الأدعية والأذكار، أحاول دائمًا الخروج بصحبة أحد محارمي أو أن أطلب منهم قضاء حوائجي، ولكن الأمر يتعذر أحيانًا لانشغالهم بأعمالهم وعدم تفرغهم، على سبيل المثال:
عند اصطحاب والدتي المسنّة إلى مواعيدها، أو المساعدة في التسوق، أو إحضار الدواء، أو حتى مجرد الخروج للمشي؛ حفاظًا على صحتي الجسدية والنفسية.
أنا أرتدي الحجاب والنقاب، لكنني بدأت أشعر في الآونة الأخيرة أن ذلك يجعلني هدفًا، وقد تحوَّل قلقي الاجتماعي الآن إلى خوف من التعرض للأذى أو الاعتداء.
فهل يجوز لي شرعًا اقتناء كلب حراسة، يعيش في مأوى خارجي؛ ليكون وسيلة للحماية الشخصية كإجراء إضافي؟ وكيف يمكنني تطهير يدي أو ثيابي إذا أصابها لُعاب الكلب؟
ملخص الجواب
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أولاً:
فإن الأصلَ منع اتخاذ الكلب في البيت؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: لَا تَدْخُلُ الْـمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ متفق عليه.
ويستثنى من ذلك: اقتناءُ الكلب لأغراض صحيحةٍ، كحراسة الزَّرع أو الغنم، أو الصيد، ونحو ذلك من الأغراض الصحيحة.
قال الإمام الخطابي، رحمه الله: "الكلب إنما يكره إذا كان اتخذه صاحبه للهو ولعب لا لحاجة وضرورة كمن اتخذه لحراسة زرع أو غنم أو لقنيص وصيد" انتهى، من "معالم السنن" (4/ 206).
وإذا كان العلماء إنما ذكروا حراسة الزرع، أو الماشية، أو نحو ذلك، مما كان يقصد الكلب لحراسته؛ فالظاهر أنه إذا احتيج إلى الكلب في حراسة شخصية: فهو مثل ذلك في الرخصة، أو أولى منه.
قال الشيخ ابن عثيمين:
"مسألة: ما حكم اقتناء الكلب الذي يحرس الإنسان؟
نقول: إن الكلب الذي يحرس الإنسان يجوز اقتناؤه؛ لأنه إذا كان اقتناء الكلب لحراسة الماشية جائزاً فحراسة الإنسان أولى وأحرى، كذلك إذا كان اقتناء الكلب للصيد جائزاً ـ والصيد ليس أمراً ضرورياً؛ لأن الإنسان بإمكانه أن يعيش بدون صيد ـ فإن اقتناءه للأمور الضرورية من باب أولى". انتهى من "الشرح الممتع" (10/ 143)
وينظر جواب السؤال (33668) ، (78353) ، (316965).
ثانيا:
وضع الكلب في مأوى خارجي هو الواجب؛ لأن الحاجة إليه في خارج البيت، ولا ضرورة لإدخاله البيت، والملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: لَا تَدْخُلُ الْـمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ رواه لبخاري (3225)، ومسلم (2106).
ينظر: إجابة رقم: (385736).
ثالثاً:
إذ أصاب لُعاب الكلب يدكِ، أو ثيابكِ، فاغسلي المكان سبع مرات بالماء، ويضاف مع إحداها التراب.
روى مسلم (279) عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ ، أُولاهُنَّ بِالتُّرَابِ) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "إذا كانت النجاسة على غير الأرض، وهي نجاسة كلب ، فإنه لا بد لتطهيرها من سبع غسلات؛ إحداها بالتراب" انتهى . "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/245) .
والأفضل أن يكون التراب مع الغسلة الأولى.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (2/598): "يستحب جعل التراب في الأولى" انتهى.
ينظر: إجابة رقم: (41090).
رابعاً:
حكم لمس شعر الكلب:
اختلف العلماء في شعر الكلب على قولين:
القول الأول:
أن شعر الكلب طاهر، وهو قول الحنفية والمالكية، وداود، ورواية عن أحمد واختيار ابن تيمية.
قال ابن عابدين رحمه الله في حاشية "رد المحتار" (1/ 208):
"(قوله ليس الكلب بنجس العين): بل نجاسته بنجاسة لحمه ودمه، ولا يظهر حكمها وهو حي، ما دامت في معدنها، كنجاسة باطن المصلي، فهو كغيره من الحيوانات.
(قوله وعليه الفتوى) وهو الصحيح والأقرب إلى الصواب بدائع وهو ظاهر المتون بحر" انتهى.
وينظر: "بدائع الصنائع" (1/63)، "المقدمات الممهات" (1/ 88، 89)، "القوانين الفقهية": 27، "حلية العلماء" (1/313)، "مجموع الفتاوى" (21/ 38، 39، 520، 530، 616)، "الفروع" (1/ 335)، "الإنصاف" (1/93، 310)، "الاختيارات الفقهية": 22.
القول الثاني:
أن شعر الكلب نجس، وبه قال: الشافعية والحنابلة .
ينظر: "المجموع" (1/230-234)، "الإنصاف" (1/91).
والقول بطهارة شعر الكلب قوي؛ لأن النص إنما جاء في ولوغ الكلب، وفي شربه ولعابه.
ومثله في نجاسته، وأولى منه: ما خرج من باطنه؛ كالبراز والبول.
وأما الشعر: ففي الجزم بنجاسته نظر؛ لا سيما وأنه مما تعم به البلوى لمن جاز له اقتناء الكلب، فلو كان نجساً لورد فيه نص صريح.
وأيضا: إجابة رقم: (111904)، (196037) ورقم (13356).
والأحوط هو الخروج من الخلاف؛ فيحترز لنفسه من مماسة بدن الكلب، أو شعره.
لكن؛ إذا كان الشعر جافاً فلا يضر؛ لأن النجاسة اليابسة لا تنتقل إلى من لمسها، فلا تنجس ثيابه ، ولا بدنه . وكما قيل: ليس بين اليابسين نجاسة.
قال السيوطي رحمه الله: " قاعدة: " قال القمولي في الجواهر: النجس إذا لاقي شيئاً طاهراً، وهما جافان: لا ينجسه " انتهى من "الأشباه والنظائر" (1/432).
أما إذا كان شعر الكلب رطباً، بماء أو غيره: فينبغي أن يغسل ما مسه سبعا، إحداها مع التراب؛ احتياطا للطهارة، وخروجا من خلاف من أوجب ذلك من الفقهاء، على ما سبق ذكره.
فإذا لم يجد تراباً، أو خيف فساد الثياب ونحوها باستعماله: فلا بأس باستعمال الصابون ونحوه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" إن كان مسّه بدون رطوبة: فإنه لا ينجّس اليد.
وإن كان مسّه برطوبة: فإن هذا يوجب تنجس اليد، على رأي كثير من أهل العلم ، ويجب غسل اليد بعده سبع مرّات، إحداها بالتراب .
أما الأواني: فإنه إذا ولغ الكلب في الإناء ( أي شرب منه ): يجب غسل الإناء سبع مرّات إحداها ، كما ثبت ذلك في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرّات إحداها بالتراب ).
والأحسن أن يكون التراب في الغسلة الأولى. والله أعلم".
انظر "مجموع فتاوى الشيخ محمد ابن عثيمين" (11/246)، و"كتاب فتاوى إسلامية" (4/447)، "الشرح الصوتي لزاد المستقنع" - ابن عثيمين (1/ 116).
وينظر جواب السؤال رقم: (13356).
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
يقول: كلب المزرعة -أجلكم الله- عندما أقدم له الطعام قد يلمسني، وقد يلمس ملابسي، فهل يجب علي حين ملامسته لملابسي أن أغيرها؟ وهل يجب علي أن أعيد الوضوء؟ جزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الوضوء: ليس عليك إعادة الوضوء.
لكن إذا مس رطوبة منه شيئًا من ثوبك: تغسل محل الرطوبة.
أما إذا مس ثوبك جلده، وهو يابس: ما يضر.
لكن إذا كان رطوبة: شيء من بوله، أو ريقه (لعابه): تغسل ما أصابك سبع مرات، ما أصاب رجلك، أو ثوبك: تغسله سبع مرات، ويكون فيها واحده تراب، مع شيء من التراب في الأولى أفضل" انتهى من "فتاوى نور على الدرب"(5/257).
خامسا:
اختلف الفقهاء استعمال غير التراب كالصابون. ومذهب الإمام أحمد أنه يجوز أن يستعمل غير التراب كالصابون ونحوه. ومذهب الشافعية: لا يجزيء غير التراب.
انظر: "المجموع" (2/600) , "روضة الطالبين" (ص16) , "المغني" (1/74) , "الإنصاف" (2/248).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (1/292): "الصحيح : أنه لا يجزئ عن استعمال التراب , لكن لو فرض عدم وجود التراب وهذا احتمال بعيد , فإن استعمال الأشنان , أو الصابون خير من عدمه". انتهى .
وينظر: إجابة رقم: (46314)، ورقم: (133869).
والله أعلم.
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟