413

ما حكم عمل الطبيب في مستشفى مملوكة لشركة تأمين تجاري؟

السؤال: 607238

ما حكم عمل الطبيب في مستشفى مملوكة لشركة تأمين تجاري؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

لا حرج على الطبيب في العمل في مستشفى مملوكة لشركة تأمين تجاري، وذلك لأمرين:

الأول: أنه يجوز للمسلم أن يعمل لدى المرابي ونحوه، ما دام عمله مباحا، كما عمل بعض الصحابة رضي الله عنهم لدى يهود، وهم أكلة الربا والسحت، والتأمين التجاري قائم على الربا والغرر، فالعمل عند أصحابه هو كالعمل عند من يرابي ويأكل الحرام.

قال ابن قدامة رحمه الله: "ولو أجر مسلم نفسه لذمي لعمل في ذمته: صح؛ لأن عليا رضي الله عنه أجر نفسه من يهودي، يستقي له كل دلو بتمرة. وأَتى بذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأكله. وفعل ذلك رجل من الأنصار وأتى به النبي صلى الله عليه وسلم، فلم ينكره.

ولأنه لا صَغار عليه في ذلك" انتهى من "المغني" (4/ 333).

وجاء في "الموسوعة الفقهية" (19/ 45): " واتفقوا كذلك على جواز أن يؤجر المسلم نفسه للكافر، في عمل معين في الذمة، كخياطة ثوب وبناء دار، وزراعة أرض وغير ذلك، لأن عليا رضي الله عنه أجر نفسه من يهودي يسقي له كل دلو بتمرة، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فلم ينكره. ولأن الأجير في الذمة يمكنه تحصيل العمل بغيره.

كما اتفقوا على أنه لا يجوز للمسلم أن يؤجر نفسه للكافر لعمل لا يجوز له فعله، كعصر الخمر ورعي الخنازير وما أشبه ذلك" انتهى.

وروى الطبراني عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فرأيته متغيرا، فقلت بأبي أنت؛ ما لي أراك متغيرا؟ قال: (ما دخل جوفي ما يدخل جوف ذات كبد منذ ثلاث).

قال فذهبت، فإذا يهودي يسقي إبلا له، فسقيت له على كل دلوٍ بتمرة، فجمعت تمرا، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال من أين لك يا كعب؟ فأخبرته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتحبني يا كعب؟ قلت: بأبي أنت؛ نعم. قال: (إن الفقر أسرع إلى من يحبني من السيل إلى معادنه، وإنه سيصيبك بلاء فأعد له تِجْفافا). والحديث حسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" رقم (3271).

والتِّجْفاف في اللغة: ما يوضع على الفرس من سلاح وآلة تقيه الجراح، والمقصود كما قال ابن قتيبة: أن يرفض الدنيا ويزهد فيها، ويصبر على الفقر. وكنّى عن الصبر بالتجفاف لأنه يستر الفقر، كما أن التجفاف يستر الفرس. "النهاية في غريب الحديث لابن الأثير" (1/ 475) و"غريب الحديث لابن الجوزي" (1/ 163).

وروي مثله عن علي رضي الله عنه، رواه الترمذي (2473) وابن ماجه (2446) قال: "خَرَجْتُ فِي يَوْمٍ شَاتٍ مِنْ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ أَخَذْتُ إِهَابًا مَعْطُوبًا، فَحَوَّلْتُ وَسَطَهُ، فَأَدْخَلْتُهُ عُنُقِي، وَشَدَدْتُ وَسَطِي فَحَزَمْتُهُ بِخُوصِ النَّخْلِ، وَإِنِّي لَشَدِيدُ الْجُوعِ، وَلَوْ كَانَ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامٌ لَطَعِمْتُ مِنْهُ، فَخَرَجْتُ أَلْتَمِسُ شَيْئًا، فَمَرَرْتُ بِيَهُودِيٍّ فِي مَالٍ لَهُ وَهُوَ يَسْقِي بِبَكَرَةٍ لَهُ، فَاطَّلَعْتُ عَلَيْهِ مِنْ ثُلْمَةٍ فِي الْحَائِطِ، فَقَالَ: مَا لَكَ يَا أَعْرَابِيُّ، هَلْ لَكَ فِي كُلِّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَافْتَحْ الْبَابَ حَتَّى أَدْخُلَ. فَفَتَحَ، فَدَخَلْتُ، فَأَعْطَانِي دَلْوَهُ، فَكُلَّمَا نَزَعْتُ دَلْوًا أَعْطَانِي تَمْرَةً، حَتَّى إِذَا امْتَلَأَتْ كَفِّي أَرْسَلْتُ دَلْوَهُ، وَقُلْتُ حَسْبِي، فَأَكَلْتُهَا، ثُمَّ جَرَعْتُ مِنْ الْمَاءِ فَشَرِبْتُ، ثُمَّ جِئْتُ الْمَسْجِدَ فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ".

قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وقال البوصيري: (هذا إسناد ضعيف)، وضعفه الألباني أيضا.

فلا حرج في عمل المسلم عملا مباحا لدى كافر أو فاسق.

الثاني: أن المرضى إن كانوا من غير المؤمّنين لدى الشركة، فلا إشكال في الكشف عليهم ومعالجتهم، وإن كانوا مؤمّنين لدى الشركة، فمن كان محتاجا للتأمين التجاري الصحي، فلا حرج عليه، كما بينا في جواب السؤال رقم: (170654) لأن التأمين الصحي يباح عند الحاجة، والطبيب ليس مكلفا بالتفتيش عمن يحتاج إلى التأمين ومن لا يحتاجه، والإثم على المؤمّن في حال تعاقده مع التأمين دون حاجة، ولا علاقة للطبيب بذلك.

ولا يقال: إن في العمل تقوية لشركة التأمين وإعانة على المعصية؛ لأن هذه الإعانة بعيدة غير مقصودة، ولو كانت محرمة لقيل إن العمل عند اليهودي فيه إعانة له فيحرم.

وينظر في ضابط الإعانة على المعصية: جواب السؤال رقم: (247586).

والحاصل:

أن الطبيب ما دام عمله مباحا، فلا حرج أن يكون عمله لدى مستشفى مملوكة للتأمين التجاري.

والله أعلم.

المراجع

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android