أولا :
الأنبياء هم صفوة الله من خلقه ، ولذلك فهم معصومون من الوقوع في الشرك والكبائر قبل النبوة وبعدها .
وينظر جواب السؤال رقم (42216) .
ثانيا :
ليس كل تحريم للحلال يكون شركا ، فمن حرم على نفسه شيئا حلالا ، وقصد بذلك أنه يمنع نفسه من فعله ، فهذا حكمه حكم اليمين ، فكأنه حلف وقال : والله لا آكل هذا الطعام .
وإنما يكون تحريم الحلال شركا ، إذا قصد الفاعل لذلك أن له الحق في التشريع ، فيحل ما يشاء ، ويحرم ما يشاء ، فهذا هو الذي يكون شركا .
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في شرح صحيح البخاري (8/615) حديث رقم (6691):
"وتحريم الطعام ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : أن يريد به الحكم الشرعي .
والقسم الثاني : أن يريد به الكذب .
والقسم الثالث : أن يريد به الامتناع .
أما الأول : فإن التحريم فيه يكون نوعا من الشرك إذا حرَّم ما أحل الله ، لأن الله عز وجل قال : (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ) التوبة/31 .
ولما سمع عدي بن حاتم هذه الآية ، قال : يا رسول الله ، إنا لسنا نعبدهم . قال : (أليسوا يحلون ما حرم الله ، فتحلونه ، ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه ؟ قال : بلى . قال : فتلك عبادتهم) .
وذلك مثل صنع أهل الشرك في الجاهلية ، فإنهم كانوا يحرمون السائبة ، والوصيلة ، والحامي ، والبحيرة .
فإذا قصد به إثبات حكم التحريم صار هذا نوعا من الشرك .
الثاني : أن يقصد به الكذب ، كأن يقول : هذا حرام . وهو يعرف أنه حلال ، كما يكذب الناس بعضهم على بعض ، فهذا يعد كذبا ، والكذب معروف أنه حرام .
القسم الثالث : أن يقصد به الامتناع ، فإذا قال : هذا حرام علي . فيعني : أني ممتنع عنه ، فهذا حكمه حكم اليمين ...
ودليل ذلك قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) التحريم/1-2.
فسمى الحرام يمينا فقال : (تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) وتحلة : تفعلة بمعنى التحليل ، وذلك أن الإنسان إذا حلف على الشيء فهي بمنزلة تحريمه عليه ، لأنه أراد أن يمتنع من هذا ، فإذا كفر قبل أن يحنث سمي هذا : تحلة ، فكأنه حل العقدة التي هي اليمين .
أما إذا فعل الشيء ثم كفر فهذا يسمى كفارة ...
وفي هذه الآية الكريمة : عتابٌ يسير من الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم حيث حرم ما أحل الله له ابتغاء مرضاة أزواجه " انتهى .
فتبين بذلك أن تحريم النبي صلى الله عليه وسلم بعض أنواع الطعام كان حكمه حكم اليمين ، لأنه قصد منع نفسه من هذا الطعام .
والله أعلم .