أولا :
نحمد الله تعالى أن هداك للإسلام، ونسأله سبحانه أن يزيدك هدى وثباتا، وأن يفرج عنك ما أنت فيه من كرب وشدة.
ثانيا :
إذا أجبرك أهلك على الإفطار في نهار رمضان ، فلا إثم عليك في ذلك ، لأنك معذورة ، وقد رفع الله تعالى الإثم عمن أظهر الكفر دفعًا للإكراه ، بشرط أن يكون قلبه مطمئنا بالإيمان ، فقال تعالى : (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النحل/106.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) صححه الألباني في "صحيح ابن ماجة" .
ثالثا :
من أفطر في رمضان مكرها فإن صومه صحيح ، فليتم صومه ، ولا قضاء عليه ، وهو مذهب الشافعية والحنابلة والظاهرية .
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (6/353):
"لو أكره الصائم على أن يأكل بنفسه أو يشرب ، فأكل أو شرب ، أو أكرهت على التمكين من الوطء فمكنت ، ففي بطلان الصوم به قولان مشهوران ؛ قلَّ من بَيَّن الأصح منهما!!
(والأصح): لا يبطل. ممن صححه المصنف في التنبيه ، والغزالي في الوجيز ، والعبدري في الكفاية ، والرافعي في الشرح ، وآخرون ، وهو الصواب ...
واحتجوا لعدم البطلان بأنه بالإكراه : سقط أثر فعله ، ولهذا لا يأثم بالأكل ، لأنه صار مأمورا بالأكل ، لا منهيا عنه ، فهو كالناسي ، بل أولى منه بأن لا يفطر ، لأنه مخاطب بالأكل لدفع ضرر الإكراه عن نفسه ، بخلاف الناسي فانه ليس بمخاطب بأمر ولا نهي .
وأما قول القائل الآخر: إنه أكل لدفع الضرر عنه ، فكان كالآكل لدفع الجوع والعطش ؛ ففرقوا بينهما : بأن الإكراه قادح في اختياره ، وأما الجوع والعطش فلا يقدحان في اختياره ، بل يزيدانه " انتهى .
وقال البهوتي في "كشاف القناع" (2/320) :
"وَلَا يُفْطِرُ مُكْرَهٌ ، سَوَاءٌ أُكْرِهَ عَلَى الْفِعْلِ ، أَيْ : الْأَكْلِ وَنَحْوِهِ حَتَّى فَعَلَ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ ، أَوْ فُعِلَ بِهِ ، بِأَنْ صُبَّ فِي حَلْقِهِ مُكْرَهًا ، أَوْ نَائِمًا، لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)" انتهى .
وقال المرداوي في "الإنصاف" (7/424) :
"إذا فعَل ما تقدَّم ذِكْرُه [يعني من المفطرات] عامِدًا، ذاكِرًا لصَوْمِه مُخْتارًا: يَفْسُدُ صَوْمُه، وإنْ فعَلَه ناسِيًا أو مُكْرَهًا، سَواء أُكْرِهَ على الفِطْرِ حتى فعَلَه، أو فُعِلَ به، لم يَفْسُدْ.
وهذا المذهبُ في ذلك كلِّه. ونقَلَه الجماعةُ عنِ الإِمامِ أحمدَ" انتهى.
وقال ابن حزم رحمه الله :
"وأمَّا من أُكرِهَ على الفِطرِ: فصومه تامٌّ صحيحٌ لا داخلةَ فيه، ولا شيءَ عليه ... وهو قول جميع أصحابنا" انتهى بتصرف، "المحلى" (4/361).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"فمن أكره على شيء من المفطرات ، ففعل : فلا إثم عليه، وصيامه صحيح، لقوله تعالى: وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَّحِيماً .
ولأن الله رفع حكم الكفر عمن أكره عليه ؛ فما دونه من باب أولى.
ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) ، وهو حديث حسن تشهد له النصوص، ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (من ذرعه القيء ، أي غلبه ، فليس عليه قضاء. ومن استقاء عمداً ، فليقض). أخرجه الخمسة إلا النسائي، وصححه الحاكم" انتهى.
"مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (19/194).
وبناء على هذا ؛ ففي المستقبل : تنوين الصيام ليلا ، وتبدئين اليوم صائمة ، إن شاء الله.
فإن أكرهك أهلك على الفطر ، فإنك تفطرين بشيء يسير من الطعام أو الشراب ، بقدر ما يندفع به الإكراه عن نفسك، ويطمئنون لفطرك. ثم تتمين صومك ، ولا شيء عليك.
وأما ما سبق من الأيام التي أفطرتها ، فالأيام التي نويت فيها الصوم ليلا ، وبدأت اليوم صائمة ثم أكرهت على الفطر ، صومك فيها صحيح ، ولا يلزمك قضاؤها .
وأما الأيام التي لم تنوي صيامها بالليل ، فإنه يجب عليك قضاؤها ، مهما أمكنك ذلك.
واتفق العلماء على أنه يجب في القضاء أن يكون قبل دخول رمضان التالي .
واستدلوا على ذلك بما رواه البخاري (1950) ومسلم (1146) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: "كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلا فِي شَعْبَانَ، وَذَلِكَ لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
"وَيُؤْخَذ مِنْ حِرْصهَا عَلَى ذَلِكَ فِي شَعْبَان أَنَّهُ لا يَجُوز تَأْخِير الْقَضَاء حَتَّى يَدْخُلَ رَمَضَان آخَرُ" انتهى.
ومن لم يستطع القضاء قبل دخول رمضان التالي ، فلا حرج عليه أن يؤخره إلى أن يستطيع .
سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
امرأة أفطرت في رمضان للنفاس، ولم تستطع القضاء من أجل الرضاع حتى دخل رمضان الثاني، فماذا يجب عليها؟
فأجاب :
"الواجب على هذه المرأة أن تصوم بدل الأيام التي أفطرتها ولو بعد رمضان الثاني؛ لأنها إنما تركت القضاء بين الأول والثاني للعذر، لكن إن كان لا يشق عليها أن تقضي في زمن الشتاء ولو يوماً بعد يوم: فإنه يلزمها ذلك، وإن كانت ترضع، فلتحرص ما استطاعت على أن تقضي رمضان الذي مضى قبل أن يأتي رمضان الثاني، فإن لم يحصل لها فلا حرج عليها أن تؤخره إلى رمضان الثاني" انتهى، "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (19/ السؤال 360).
وبناء على هذا ؛ فإنك تقضين تلك الأيام بقدر استطاعتك ، ولو مفرقة ، ولا يجزئك عنها كفارة أو إطعام.
نسال الله تعالى أن يتقبل منك ، وأن ييسر لك أمرك.
والله أعلم.