الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

هل يلزم الإمساك عن الأكل والشرب بمجرد سماع أذان للفجر؟

66202

تاريخ النشر : 08-11-2004

المشاهدات : 1167277

السؤال

ما حكم تناول الطعام أثناء أذان الفجر ؟ لقوله عليه الصلاة والسلام : (إذا أقيمت الصلاة والإناء في يد أحدكم فلا يدعه حتى يقضي حاجته).

ملخص الجواب

يلزم الصائم الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس. فالعبرة بطلوع الفجر، لا بالأذان. فمن تيقن طلوع الفجر الصادق لزمه الإمساك، وإن كان في فمه طعام لزمه أن يلفظه، فإن لم يفعل فسد صومه. وأما من لم يتيقن طلوع الفجر، فله أن يأكل حتى يتيقن. وكذا لو علم أن المؤذن يؤذن قبل الوقت، أو شك أنه يؤذن في الوقت أو قبله، فله أن يأكل حتى يتيقن، والأولى له أن يُمسك بمجرد سماع الأذان.

الحمد لله.

صحة حديث عن جواز تناول الطعام أثناء أذان الفجر

الحديث الذي ذكره السائل لم يرو بهذا اللفظ، ولفظه: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ النِّدَاءَ وَالإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَلا يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ رواه أحمد (10251) وأبو داود (2350) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. وسيأتي معناه عند العلماء.

متي يلزم الصائم الإمساك؟

يلزم الصائم الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق، إلى غروب الشمس. فالعبرة بطلوع الفجر، لا بالأذان. قال الله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ البقرة/187. فمن تيقن طلوع الفجر الصادق لزمه الإمساك، وإن كان في فمه طعام لزمه أن يلفظه، فإن لم يفعل فسد صومه.

وأما من لم يتيقن طلوع الفجر، فله أن يأكل حتى يتيقن. وكذا لو علم أن المؤذن يؤذن قبل الوقت، أو شك أنه يؤذن في الوقت أو قبله، فله أن يأكل حتى يتيقن، والأولى له أن يُمسك بمجرد سماع الأذان.

شرح حديث (إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه)

وأما الحديث المذكور، فحمله العلماء على أن المؤذن كان يؤذن قبل طلوع الفجر.

قال النووي رحمه الله في المجموع (6/333):

” ذكرنا أن من طلع الفجر وفي فيه (فمه) طعام فليلفظه ويتم صومه، فإن ابتلعه بعد علمه بالفجر بطل صومه، وهذا لا خلاف فيه، ودليله حديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إِنَّ بِلالا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ رواه البخاري ومسلم، وفي الصحيح أحاديث بمعناه.

وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ النِّدَاءَ وَالإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَلا يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ وفي رواية: وكان المؤذن يؤذن إذا بزغ الفجر فروى الحاكم أبو عبد الله الرواية الأولى، وقال: هذا صحيح على شرط مسلم، ورواهما البيهقي، ثم قال: وهذا إن صح محمول عند عوام أهل العلم على أنه صلى الله عليه وسلم علم أنه ينادي قبل طلوع الفجر بحيث يقع شربه قبيل طلوع الفجر. قال: وقوله: (إذا بزغ) يحتمل أن يكون من كلام من دون أبي هريرة، أو يكون خبراً عن الأذان الثاني، ويكون قول النبي صلى الله عليه وسلم: إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ النِّدَاءَ وَالإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ خبراً عن النداء الأول، ليكون موافقا لحديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم. قال: وعلى هذا تتفق الأخبار. وبالله التوفيق، والله أعلم” انتهى.

وذكر ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن أن بعض السلف أخذ بظاهر الحديث الوارد في السؤال، وأجازوا الأكل والشرب بعد سماع أذان الفجر، ثم قال:

” وَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى اِمْتِنَاع السُّحُور بِطُلُوعِ الْفَجْر، وَهُوَ قَوْل الأَئِمَّة الأَرْبَعَة، وَعَامَّة فُقَهَاء الأَمْصَار، وَرَوَى مَعْنَاهُ عَنْ عُمَر وَابْن عَبَّاس. وَاحْتَجَّ الأَوَّلُونَ بِقَوْلِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّن اِبْن أُمّ مَكْتُوم، وَلَمْ يَكُنْ يُؤَذِّن إِلا بَعْد طُلُوع الْفَجْر) كَذَا فِي الْبُخَارِيِّ، وَفِي بَعْض الرِّوَايَات: (وَكَانَ رَجُلا أَعْمَى لا يُؤَذِّن حَتَّى يُقَال لَهُ: أَصْبَحْت أَصْبَحْت)… وَاحْتَجَّ الْجُمْهُور بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّن لَكُمْ الْخَيْط الأَبْيَض مِنْ الْخَيْط الأَسْوَد مِنْ الْفَجْر، وَبِقَوْلِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّن اِبْن أُمّ مَكْتُوم، وَبِقَوْلِهِ: الْفَجْر فَجْرَانِ، فَأَمَّا الأَوَّل فَإِنَّهُ لا يُحَرِّم الطَّعَام، وَلا يُحِلّ الصَّلاة، وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّهُ يُحَرِّم الطَّعَام، وَيُحِلّ الصَّلاة رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنه.” انتهى

وقد وردت آثار عن بعض السلف، تدل على إباحة الأكل للصائم، حتى يتيقن طلوع الفجر، وأورد ابن حزم رحمه الله منها جملة كثيرة، ومنها: (أن عمر بن الخطاب كان يقول: إذا شك الرجلان في الفجر فليأكلا حتى يستيقنا…

عن ابن عباس قال: أحل الله الشراب ما شككت ; يعني في الفجر…

وعن مكحول قال: رأيت ابن عمر أخذ دلوا من زمزم وقال لرجلين: أطلع الفجر؟ قال أحدهما: قد طلع، وقال الآخر: لا ; فشرب ابن عمر)

وقال ابن حزم معلقا على الحديث المسئول عنه وجملة من الآثار المشابهة: “هذا كله على أنه لم يكن يتبين لهم الفجر بعد ; فبهذا تتفق السنن مع القرآن” انتهى من المحلى (4/367).

ولاشك أن أكثر المؤذنين اليوم يعتمدون على الساعات والتقاويم، لا على رؤية الفجر، وهذا لا يعتبر يقينا في أن الفجر قد طلع، فمن أكل حينئذ، فصومه صحيح، لأنه لم يتيقن طلوع الفجر، والأولى والأحوط أن يمسك عن الأكل.

حكم صيام من سمع أذان الفجر واستمر في الأكل والشرب

وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ما نصه: ما الحكم الشرعي في صيام من سمع أذان الفجر واستمر في الأكل والشرب؟

فأجاب: “الواجب على المؤمن أن يمسك عن المفطرات من الأكل والشرب وغيرهما إذا تبين له طلوع الفجر، وكان الصوم فريضة كرمضان وكصوم النذر والكفارات؛ لقول الله عز وجل: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ البقرة/187. فإذا سمع الأذان وعلم أنه يؤذن على الفجر وجب عليه الإمساك. فإن كان المؤذن يؤذن قبل طلوع الفجر، لم يجب عليه الإمساك، وجاز له الأكل والشرب حتى يتبين له الفجر.

فإن كان لا يعلم حال المؤذن هل أذن قبل الفجر أو بعد الفجر، فإن الأولى والأحوط له أن يمسك إذا سمع الأذان، ولا يضره لو شرب أو أكل شيئا حين الأذان لأنه لم يعلم بطلوع الفجر.

ومعلوم أن من كان داخل المدن التي فيها الأنوار الكهربائية لا يستطيع أن يعلم طلوع الفجر بعينه وقت طلوع الفجر، ولكن عليه أن يحتاط بالعمل بالأذان والتقويمات التي تحدد طلوع الفجر بالساعة والدقيقة، عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ وقوله صلى الله عليه وسلم: مَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ والله ولي التوفيق “انتهى نقلا عن “فتاوى رمضان” جمع أشرف عبد المقصود (ص 201).

وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ما نصه: (قلتم حفظكم الله إنه يجب الإمساك بمجرد سماع المؤذن ويحدث ومن عدة سنوات أنهم لا يمسكون عن الطعام حتى نهاية الأذان، فما حكم عملهم هذا؟

فأجاب فضيلته بقوله: الأذان لصلاة الفجر إما أن يكون بعد طلوع الفجر أو قبله، فإن كان بعد طلوع الفجر فإنه يجب على الإنسان أن يمسك بمجرد سماع النداء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إنَّ بِلالا كَانَ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ لا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ. فإذا كنت تعلم أن هذا المؤذن لا يؤذن إلا إذا طلع الفجر فأمسك بمجرد أذانه، أما إذا كان المؤذن يؤذن بناء على ما يعرف من التوقيت، أو بناء على ساعته فإن الأمر في هذا أهون.

وبناء على هذا نقول لهذا السائل: إن ما مضى لا يلزمكم قضاؤه، لأنكم لم تتيقنوا أنكم أكلتم بعد طلوع الفجر، لكن في المستقبل ينبغي للإنسان أن يحتاط لنفسه، فإذا سمع المؤذن فليمسك) انتهى نقلا عن “فتاوى رمضان” (ص 204).

وقال الشيخ رحمه الله منبها على ما يقال عن التقويم وعدم دقته: (لأن بعض الناس الآن يشككون في التقويم الموجود بين أيدي الناس، يقولون: إنه متقدم على طلوع الفجر، وقد خرجنا إلى البر وليس حولنا أنوار، ورأينا الفجر يتأخر، حتى بالغ بعضهم وقال: يتأخر ثلث ساعة.

لكن الظاهر أن هذا مبالغة لا تصح، والذي نراه أن التقويم الذي بين أيدي الناس الآن فيه تقديم خمس دقائق في الفجر خاصة، يعني لو أكلت وهو يؤذن على التقويم فلا حرج، إلا إذا كان المؤذن يحتاط ويتأخر، فبعض المؤذنين جزاهم الله خيرا يحتاطون ولا يؤذنون إلا بعد خمس دقائق من التوقيت الموجود الآن، وبعض جهال المؤذنين يتقدمون في أذان الفجر، زعما منهم أن هذا أحوط للصوم، لكنهم ينسون أنهم يهملون ما هو أشد من الصوم وهو صلاة الفجر، ربما يصلي أحد قبل الوقت بناء على أذانهم، والإنسان إذا صلى قبل الوقت ولو بتكبيرة الإحرام، ما صحت صلاته…) من مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (ج 19 سؤال رقم 772).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب