الحمد لله.
لا بد قبل إصدار فتوى عامة في مثل هذه النوازل من التحقق من صورة النازلة تماما وهل وصلت إلى مرحلة الضرورة التي تبيح ارتكاب محرم مجمع على تحريمه أم لا ؟
والذين يظهر أنها لم تصل إلى هذه المرحلة وإنما هي تصرفات من بعض السفهاء والمتطرفين وليس توجها عاما في ذلك البلد بل كما عبر بعضهم بأنها مجرد تحرشات ومضايقات فيمكن تفاديها بدون مثل هذه التنازلات الكبيرة وعليه فعلى المسلمين أن يطالبوا بحقوقهم من الحماية ، وأن لا يؤخذوا بجريرة غيرهم ، لا أن يتنازلوا عن مظاهر دينهم وتميزهم ومصدر اعتزازهم .
ولا بد أن نعلم أن الحجاب فريضة من الله تعالى على المسلمة، ثبتت فرضيتها بمحكم القرآن ، وصحيح السنة ، وإجماع الأمة بمختلف مذاهبها ومدارسها . لم يشذّ عن ذلك مذهب ، ولم يخالف فيه فقيه ، واستقر عليه العمل فيما مضى من قرون الأمة ، قال تعالى : ( يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) الأحزاب/59 . وقال تعالى : ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ) النور/31 .
ومن حق كل مسلم أن يلتـزم بفرائض دينه ، ويعمل على إرضاء ربه وامتثال أمره ، ولا يجبره أحد تحت أي ضغط مادي أو معنوي على التخلِّي عنه .
وإنك لتعجب من قوم يدَّعون الحريات والمحافظة على حقوق الإنسان يصادرون حريات الآخرين بسبب أعمال لا علاقة لهم بها .
أما بالنسبة لخلع المسلمة للحجاب بسبب تعرضها للأذى فنجمل الكلام على ذلك في نقاط :
- لا يجوز للمسلمة أن تقيم في بلاد لا يمكنها فيها إظهار شعائر دينها ، وبناء على ذلك فيلزم كل مسلمة مقيمة هناك وهي غير قادرة على إظهار شعائر دينها أن تهاجر إلى بلاد يمكنها فيها إظهار شعائر دينها بحرية تامة .
- أما إذا كانت لا تستطيع أن تهاجر فيجب على المرأة المسلمة في مثل هذا الوضع المؤلم أن تلزم بيتها ، خاصة إذا كان عندها من أولياء أمورها من يكفلها ويقوم برعايتها ويضمن لها حاجاتها ، ولا تخرج إلا عند الضرورة خوفًا من الفتنة التي قد تتعرض لها .
- ليس من الضرورة خروجها للعمل أو الدراسة إذا كان هناك من يتكفل بإعالتها ، ويمكن تأجيل الدراسة لفصل دراسي قادم ، أو أخذ إجازة من العمل ، حتى يهدأ الوضع , لأن هذه الاعتداءات إنما تحدث في الأيام التالية لأي حدث , ثم ما تلبث أن تهدأ وتعود الأمور إلى طبيعتها .
- ولكن إذا خرجت للضرورة وخشيت على نفسها أن تتعرض للأذى فيُنظر في هذا الأذى فإن كان أذىً محتملا كالسب والشتم أو مجرد النظرة العدائية من بعض الناس فهذا لا يرخِص لها خلعَ الحجاب ، لأن هذا النوع من الأذى من الممكن تحمله ، ومن الباطل أن يقال للمرأة : اتركي الحجاب لمجرد كلمات تسمعها في الشارع بل تصبر وتحتمل وهذا باب من أبواب الاختبار لإيمان المؤمنة ، وقد قال تعالى : ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) العنكبوت/2، 3. فلتصبر على ما يصيبها من أذى أو سخرية في سبيل الله ، مستحضرة ما أعده الله من الأجر للمتمسك بدينه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن من ورائكم زمان صبر للمتمسك فيه أجر خمسين شهيدا منكم ) رواه الطبراني من حديث ابن مسعود ، وصححه الألباني في صحيح الجامع .
- وكذلك مما يبعد عنها الأذى ألا تخرج وحدها بل برفقة وليها أو تكون في مجموعة حتى لا يتفرد بها السفهاء .
- أما إذا كانت ستتعرض لأذى لا يمكن تحمله كالضرب أو القتل أو التعرض لعرضها واضطرت للخروج فيجوز لها في هذه الحال التخفيف من الحجاب الكامل إلى شيء من الحجاب فيه مجرد غطاء للرأس والرقبة ، فتخلع من حجابها بالقدر الذي يقيها من التعرض للضرر لأن الضرورة تقدر بقدرها . أو تلبس ما يسترها من غير الحجاب المعهود للناس ، وهذا ربما لا يظهر المرأة المسلمة في مظهر يجعلها في نظر هؤلاء عرضة للأذى ، ويوجد في ملابس غير المسلمات الشتائية وغيرها ما يستر كل أو غالب الأجزاء المطلوب سترها شرعا .
- فإذا نُزِعَ منها الحجاب رغما عنها فإنها مبتلاة مأجورة وعليها أن تعود لارتدائه متى زال الإكراه .
فالفتوى يجب أن تكون على تدرج حسب الحال حتى لا تؤدي إلى طمس الهوية الإسلامية وذوبانها في مجتمعات غير محافظة .
تعليق