الحمد لله.
هذا الأثر في أعلى درجات الصحة ، فقد رواه الإمام مالك في "الموطأ" (535) عن نافع عن ابن عمر ، وهي ما يسمى عند بعض العلماء " السلسلة الذهبية " وهي أصح – أو من أصح – الأسانيد .
ولفظه : عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يقرأ في الصلاة على الجنازة .
ومعنى " لا يقرأ " أي : لا يقرأ فاتحة الكتاب ولا غيرها ، وهي من مسائل الخلاف المعروفة عند أهل العلم ، وقد ذهب بعضهم إلى أنها ركن في صلاة الجنازة ، وذهب آخرون إلى عدم ركنيتها ولا استحبابها ، وتوسط آخرون فقالوا باستحبابها وعدم وجوبها ، وهو ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، فإنه قال :
" وتنازع العلماء في القراءة على الجنازة على ثلاثه أقوال : قيل : لا تستحب بحال , كما هو مذهب أبي حنيفة ومالك ، وقيل : بل يجب فيها القراءة بالفاتحة ، كما يقوله من يقوله من أصحاب الشافعي وأحمد ، وقيل : بل قراءة الفاتحة فيها سنة , وإن لم يقرأ بل دعا بلا قراءة جاز , وهذا هو الصواب " انتهى .
" الفتاوى الكبرى " ( 2 / 121 ) .
والذي يظهر – والعلم عند الله تعالى - أن قراءة الفاتحة ركن في صلاة الجنازة ، وهي داخلة في عموم قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ) رواه البخاري (714) ومسلم (595) ، ولعله من أجل قول ابن عمر كان ابن عباس يجهر بها – أحياناً – مع أن السنة الإسرار بها ، وقد سئل عن ذلك فقال : ( ليعلموا أنها سنة ) رواه البخاري (1249) .
وليس المقصود بقوله " سنة " هو المستحب ؛ وإنما المراد سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأها .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" والفاتحة في صلاة الجنازة ركن ؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام : ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) ، وصلاة الجنازة صلاة ؛ لقوله تعالى : ( وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً ) فسماها الله صلاة ؛ ولأن ابن عباس رضي الله عنهما قرأ الفاتحة على جنازة ، وقال : ( لتعلموا أنها سنة ) .
" الشرح الممتع " ( 5 / 401 ) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
ما حكم قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة ؟
فأجاب :
" واجبة ، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) ، وقال عليه الصلاة والسلام : ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) متفق على صحته .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 13 / 143 ) .
والله أعلم .
تعليق