الحمد لله.
التوبة هي الرجوع إلى الله تعالى من المعصية إلى الطاعة ، وإرجاع الحقوق إلى أهلها ، ويجب أن نَعلم أن التوبة واجبة على كل مسلم لقوله تعالى : ( يَا أيُّها الذين آمَنوا تُوبُوا إِلى الله توبةً نصوحاً ) التحريم/8 ، وأن الله تعالى يفرح بتوبة التائبين مع غناه عن طاعتهم ، وأخبر أنه يحب التوابين , فقال تعالى : ( إِنَّ الله يُحبُّ التَّوابين وَيُحبُّ المتطَهِّرين ) البقرة/222 .
والمعتدي على الناس إما أن يكون اعتداؤه على حقوقهم المادية وإما على حقوقهم المعنوية ، وفي كلتا الحالتين هو متعدٍّ على أحكام الشرع .
وعليه : فيحتاج لتوبة صادقة فيما بينه وبين ربه تعالى ، ويحتاج لإرجاع الحقوق إلى أهلها ، أما المعنوية فيكفيه – مع التوبة الصادقة – أن يستغفر لهم ويدعو لهم بخير إن كانوا لم يعلموا بظلمه لهم , كما لو اغتابهم , فإن وصلت إليهم فعليه الاعتذار لهم وطلب العفو .
وأما الحقوق المادية فلا تكفي التوبة بينه وبين ربه ولا يكفي معها الدعاء له ، بل يجب إرجاع هذه الحقوق المادية لأصحابها ، فإن لم يجدهم ردها لورثتهم .
فإن عجز عن إرجاعها لعدم معرفته بصاحب هذه الحقوق فليتصدق بها عنه ، وإن كان عجزه لفقرٍ فيُرجى إن كانت توبته صادقة أن يؤدي الله تعالى ، ويرضي صاحب الحق ، وإن شاء الله ذلك لم يعاقبه لا في القبر ولا في الآخرة .
وأما مع عدم التوبة فإن الله تعالى يعطي صاحب الحق من حسنات المعتدي ، فإن فنيت حسناته أُخذ من سيئات المظلوم وألقيت على المعتدي ، وهذا هو الإفلاس الحقيقي ، مع ما قد يعاقبه الله تعالى به بسبب تعديه على الشرع .
جاء في "روضة الطالبين" (11/247,246) :
" وإن تعلق بها – أي : بالمعصية - حق مالي كمنع الزكاة والغصب والجنايات في أموال الناس : وجب مع ذلك –أي : مع التوبة - تبرئة الذمة عنه بأن يؤدي الزكاة ويرد أموال الناس إن بقيت ويغرم بدلها إن لم تبق أو يستحل المستحق فيبرئه .
ويجب أن يَعلم المستحق إن لم يعلم به وأن يُوصله إليه إن كان غائباً إن كان غصبه منه هناك ، فإن مات سلَّمه إلى وارثه ، فإن لم يكن له وارث وانقطع خبره : دفعه إلى قاضٍ تُرضى سيرته وديانته ، فإن تعذر : تصدَّق به على الفقراء بنية الغرامة له إن وجده ...
وإن كان معسراً : نوى الغرامة إذا قدر فإن مات قبل القدرة : فالمرجو من فضل الله تعالى المغفرة .
قال النووي : قلت : ظواهر السنن الصحيحة تقتضي ثبوت المطالبة بالظلامة ، وإن مات معسراً عاجزاً إذا كان عاصياً بالتزامها .
فأما إذا استدان في مواضع يباح له الاستدانة واستمر عجزه عن الوفاء حتى مات أو أتلف شيئاً خطأ وعجز عن غرامته حتى مات : فالظاهر أن هذا لا مطالبة في حقه في الآخرة إذ لا معصية منه ، والمرجو أن الله تعالى يعوِّض صاحب الحق ...
وأما الغيبة إذا لم تبلغ المغتاب : فرأيت في فتاوى الحناطي أنه يكفيه الندم والاستغفار ، وإن بلغته … فالطريق أن يأتي المغتاب ويستحل منه ، فإن تعذر لموته أو تعسر لغيبته البعيدة : استغفر الله تعالى ، ولا اعتبار بتحليل الورثة ، هكذا ذكره الحناطي " انتهى .
والله أعلم .
تعليق