الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

هل يجوز أن تشتري أرضًا كي تدفن فيها حين تموت ؟

82184

تاريخ النشر : 26-04-2006

المشاهدات : 34085

السؤال

هل يجوز أن يشتري الإنسان مساحة أرض ، حتى إذا مات يدفن فيها ؟.

الجواب

الحمد لله.

الحكم في ذلك تابع للمقصد الدافع لشراء الأرض وتخصيصها للدفن فيها :

فإن كانت إنما تريد تهيئة مدفن كريم لها ، لما تراه من امتهان المقبرة التي في بلدتها ، أو لما تراه من دفن جماعي في مكان واحد – كما يحصل في بعض الدول الإسلامية - ، أو كانت تريد وقف الأرض للدفن فيها ، لها ولغيرها من الناس ، ونحو ذلك من الأعذار والمقاصد الشرعية ، فحينئذ لا حرج عليها في شراء قطعة الأرض هذه ، والوصية بالدفن فيها ، فإن مقصدها معتبر شرعا ، والقاعدة الفقهية تقول : ( الأمور بمقاصدها ) .

قال الإمام أحمد رحمه الله : " لا بأس أن يشتري الرجل موضع قبره ، ويوصي أن يدفن فيه ، فعل ذلك عثمان بن عفان ، وعائشة ، وعمر بن عبد العزيز ، رضي الله عنهم " .

[ المغني 3/443 ] ، وانظر : أحكام المقابر في الشريعة ، د عبد الله السحيباني (23-28).

فإن لم يكن لها أي مقصد من الأمور السابقة ، وإنما أرادت أن تتميز بقبرها ، وتختص بمكانها دون الناس ، فهذا مقصد غير معتبر شرعا ، وليس في الكتاب والسنة ما يدل على شرعية مثل هذا الفعل ، بل جاء في مقاصد الشريعة وكلام أهل العلم ما يدل على كراهته ، ومن ذلك:

1- أن الفقهاء نصوا على استحباب الدفن في المقابر العامة ، كي يصيب الميت من دعاء زوارها من المؤمنين ، وتأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم ، حيث كان يدفن من مات من أصحابه في مقبرة البقيع .

جاء في الموسوعة الفقهية (21/9) :

" المقبرة أفضل مكان للدفن ، وذلك للاتباع ، ولنيل دعاء الطارقين ، وفي أفضل مقبرة بالبلد أولى ، ويكره الدفن في الدار ولو كان الميت صغيرا ، وقال ابن عابدين : وكذلك الدفن في مدفن خاص كما يفعله من يبني مدرسة ونحوها ، ويبني له بقربه مدفنا " انتهى .

انظر "رد المحتار" (2/235) ، "المجموع" (5/245) ، "مغني المحتاج" (2/52)

2- ثم إن الدفن في أرض يملكها المتوفى يضر الورثة ، حيث سيمنعهم ذلك من التصرف فيها ، وقد كان له في مقابر المسلمين كفاية .

جاء في كتاب "الفروع" لابن مفلح الحنبلي (2/278) :

" ولو وصى بدفنه في ملكه دُفِنَ مع المسلمين ؛ لأنه يضر الورثة " انتهى .

3- كما أن الوصية بالدفن في أرض خاصة قد تكون ذريعة فيما يستقبل من الزمان إلى العبث بهذا القبر ، فإن المقبرة العامة متميزة عند جميع الناس ، لا يمكن أن يعتدي عليها أحد بالبناء عليها أو الحفر ونحو ذلك ، فسيمنعه الناس كلهم من إيذاء أمواتهم ، أما الأرض الخاصة فإنها عرضة للتعدي ، وعرضة لأطماع الناس لأخذ الأرض ونبش القبر وغير ذلك .

4- الدفن في الأرض الخاصة قد يؤدي إلى تعظيم القبر وتقديسه ، فيظن الناس له خصوصية عن دون القبور ، أو أنه قبر أحد الأولياء ونحو ذلك ، فيرتكبون عنده أنواع الشرك أو التبرك المحرم ، وذلك بسبب التميز عن الناس بالمدفن .

5- وأخيرا يخشى أن يكون الباعث على الوصية بالمدفن الخاص هو الكبر والأنفة عن مساواة الناس في مدافنهم ، كما يظهر في قبور بعض الملوك والأمراء ، حيث يجعلون لأنفسهم مدافن خاصة ، ومعلوم أن الكبر من أعظم الذنوب ، والعادة أن الموت يكسر كل متكبر ومتجبر ، فلا ينبغي للمسلم أن يتشبه بالمتكبرين وعاداتهم .

يتبين مما سبق أن شراء أرض والوصية بالدفن فيها لغير مقصد شرعي خلاف الأولى ، وأن الأولى هو الدفن مع جماعة المسلمين ، والتعرض لبركة دعاء الصالحين من المسلمين .

يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "لقاء الباب المفتوح" (1/559) :

" لا يلزم تنفيذ الوصية إذا أوصى الميت أن لا يدفن إلا في مكان معين ، بل يدفن مع المسلمين ، إذ إن الأرض كلها سواء ، وكان الصحابة رضي الله عنهم إذا مات منهم ميت في أي مكان دفنوه ، فهذه الوصية لا يلزم تنفيذها ، لأنه ليس فيها مقصود شرعي " انتهى .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب