الحمد لله.
أولا :
كون والدك يترك الصلاة ، ويعشق النساء ويجري وراءهن ، هذه منكرات ظاهرة ، وأعظمها ترك الصلاة ؛ لأن تركها كفر يخرج عن الإسلام في أصح قولي العلماء ، لأدلة كثيرة ، منها قوله صلى الله عليه وسلم : ( بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاةِ ) رواه مسلم (82) .
ولهذا فالواجب نصح الأب وعدم اليأس من توبته وهدايته ، وينبغي أن تبحثوا عن وسائل متنوعة لنصحه ، كإعطائه شريطا عن حكم تارك الصلاة ، والاستعانة بمن يستطيع نصحه من الأهل والأقارب ، ونحو ذلك .
وكونه أساء إليكم ولا يزال فإن هذا يوجب الرحمة في قلوبكم عليه ، فإنه لو مات ولقي ربه بهذه الأعمال فإنه سيلقاه بذنوب وآثام عظيمة .
لذلك فعليك أنت وإخوتك وأهلكِ أن تعيدوا النظر في علاقتكم مع والدكم وموقفكم منه ، فالله عز وجل أمرنا بالإحسان إلى الوالدين وبرهما حتى مع كفرهما ودعوتهما للكفر :
قال تعالى : ( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً ) لقمان/15 .
وهذا إبراهيم عليه السلام يحاور أباه المشرك بأدب كما ذكر الله تعالى ذلك عنه في قوله تعالى : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا . إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا . يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا . يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا . يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا . قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا . قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ) مريم/41–47.
فانظروا لأدب هذا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وكيف يخاطب والده المشرك الذي يهدده ويتوعده ، وفي هذا موعظة بالغة ودرس مفيد لمن ابتلي بمثل هؤلاء الآباء ؟!
ثانيا :
ويتأكد ما ذكرناه إذا علمتِ أن حق الأب في البر والإحسان إليه لا يسقط بتقصيره وإساءته ، بل كل يؤدي الحق الذي عليه ، فإذا قصر هو ، فلا تقصروا أنتم ، ثم إن الإعراض عنه وتجاهله وترك خدمته يزيده سوءا على سوئه ، وأنتم ولا شك لا تريدون هذا . وكثير ممن ابتلي بالمعاصي ثم تاب يتحدث عن أثر هجر الناس له وأن ذلك يزيد من البلاء ، ويحمل الإنسان على ارتكاب حماقات ما كان ليرتكبها لو شعر أن له أولادا يحبونه ويحترمونه حتى مع قسوته وإساءته .
إن النفس البشرية مهما طغت وأساءت إلا أنها لا تنسى الإحسان وإن تجاهلته في الظاهر ، ولهذا فقد يكون العلاج النافع مع أبيكم هو زيادة القرب منه مهما بعد ، والرحمة به مهما قسا ، مع الدعاء له بالهداية والاستقامة .
وكوني على ثقة من أن إحسانكم لن يضيع عند الله ، وستجنون منه ثمارا نافعة في الدنيا والآخرة بإذن الله .
نسأل الله أن يهدي والدك وأن يصلح حاله ، وحالكم أجمعين .
والله أعلم .
تعليق