الحمد لله.
أولاً :
بداية نسأل الله أن يَمُنَّ عليك بعافيته ، ويرزقك الشفاء بِمَنِّهِ وكرمه ، ونوصيك باحتساب الأجر عند الله سبحانه ، فهو يجزي الصابرين بغير حساب ، وابتلاؤه لعباده خيرٌ لهم في عاقبتهم ، حيث يكفر به عنهم من سيئاتهم ، ويرفع به من درجاتهم .
فعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلاءِ الثَّوَابَ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالْمَقَارِيضِ ). رواه الترمذي ( 2402 ) ، وحسنه الألباني في " صحيح الترمذي " .
كما نوصيك بالاجتهاد في البحث عن الدواء ، ولا تتوقف عند قول بعض الأطباء ، فكم من مرض يئس منه طبيب ثم جعل الله شفاءه على يد طبيب آخر ، والبدائل العلاجية أصبحت متوفرة بكثرة في زماننا هذا والحمد لله ، ويمكنك الاستعانة بالمتخصصين في الطب العربي أو الشعبي ، فلعلك تجد عندهم ما يجعل الله فيه شفاءك ، وقبل كل ذلك وبعده ، لا تغفل عن سؤال الله العافية ، والدعاء لا يأتي إلا بالخير ، وإذا صدق فيه العبد يوشك أن يستجيب الله له.
وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَتْ الأَعْرَابُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَلا نَتَدَاوَى ؟ قَالَ: (نَعَمْ ، يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً أَوْ قَالَ دَوَاءً ، إِلا دَاءً وَاحِدًا . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : الْهَرَمُ) .
رواه الترمذي ( 2038 ) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
ثانياً :
أما عن حكم حضورك الجماعة في المساجد : فإن كنت تخشى من إيذاء مَن بجوارك ، ولا تستطيع أن تتفادى ذلك بأي وسيلة ، كوضع طِيبٍ قوي الرائحة ، أو تغطية الأنف عند الصلاة: فالواجب عليك حينئذ ترك الجماعة ، فأنت صاحب عذر عند الله وعند الناس ، وسيكون لك إن شاء الله تعالى أجر الجماعة وأنت في بيتك .
فعن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا ) . رواه البخاري ( 2834 ) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"قال العلماء : إن ما كان من الله ، ولا صنع للآدمي فيه إذا كان يؤذي المصلين فإنه يَخرج ( يعني من المسجد ) ، كالبخر في الفم ، أو الأنف ، أو من يخرج من إبطيه رائحة كريهة ، فإذا كان فيك رائحة تؤذي فلا تقرب المسجد .
فإن قال : هذا من الله ؟ فيقال : إذا ابتلاك الله به فلا تؤذ العباد ، ولا تؤذ الملائكة ، وأنت مأجور على الصبر على هذا الشيء واحتساب الأجر من الله ، ولست آثماً إذا لم تصل مع الناس ؛ لأنك إنما تركت ذلك بأمر الله .
فإذا قال : هذا ينقص إيماني ؛ لأن صلاة الجماعة أفضل ؟
قلنا : إنك لا تلام على هذا النقص ؛ كما أن الحائض لا تصلي ، وينقص إيمانها بذلك ، ولا تلام على النقص ؛ لأن النقص الذي ليس بسبب الإنسان لا يلام عليه " انتهى .
" الشرح الممتع " ( 5 / 113 ، 114 ) .
وسئل رحمه الله : أعاني من وجود رائحة كريهة من الأنف والفم , وأتحرج من الاختلاط بالناس ، وأثناء تأدية الصلاة في المسجد ؛ لأنني سمعت حديثاً أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه ابن آدم ، فهل لي الصلاة في المنزل ؟ علماً أنني أصلي معظم الأوقات في المنزل إلا يوم الجمعة ، فإنني أصليه في المسجد ؟ أفيدوني وفقكم الله لما فيه الخير .
فأجاب :
"نسأل الله أن يمنَّ عليك بالشفاء , وأنت لا حرج عليك إذا صليت في البيت الجمعة وغير الجمعة ؛ لأنك معذور , وإذا علم الله من نيتك أنه لولا هذا الذي فيك لصليت في الجماعة : فإنه يكتب لك أجر ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم وهو في غزوة تبوك : ( إِنَّ أَقْوَامًا بِالْمَدِينَةِ خَلْفَنَا مَا سَلَكْنَا شِعْبًا وَلا وَادِيًا إِلا وَهُمْ مَعَنَا فِيهِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ ) رواه البخاري (2839) . ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يشفيك .
ولكن أرجو أن تنظر هل إذا تطيبت بطيب زكي قوي الرائحة هل رائحته تغطي على ما عندك من الرائحة ؟ إن كان الأمر كذلك فاحرص على هذا وتطيب به , أما إذا لم يفد فيه ذلك فأنت معذور , وإذا تطيبت بالطيب القوي الزكي الرائحة الذي تضمحل معه الرائحة الكريهة , فإنك تصلي في المسجد الصلوات الخمس وصلاة الجمعة " انتهى .
" مجموع الفتاوى " ( 15 / السؤال رقم 1070 ) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله :
إن والدي كبير ولا يذهب لصلاة الجمعة ، ويقول : إنه مريض بمرضٍ هو عبارة عن بخر في الفم ورائحة كريهة ، وقال : إنه لا يريد أن يؤذي الناس بهذه الرائحة ، فهل يجوز فعله هذا ؟ .
فأجاب :
" نعم هذا عذر شرعي ، إذا كان فيه بخر شديد الرائحة الكريهة ولم يتيسر له ما يزيله فهو عذر ، كما أن البصل والكراث عذر ، أما إن وجد دواءً وحيلة تزيله فعليه أن يفعل ذلك حتى لا يتأخر عن صلاة الجمعة والجماعة ، ولكن متى عجز عن ذلك ولم يتيسر فهو معذور أشد من عذر صاحب البصل ، والبخر لا شك أنه مؤذٍ لمن حوله ، إذا كان رائحته ظاهرة " انتهى.
" نور على الدرب " ( شرط رقم 219 ، الدقيقة 11 ) .
والله أعلم .
تعليق