الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

من هو الذي يُقيم حد الزنا

8980

تاريخ النشر : 25-06-2003

المشاهدات : 101303

السؤال

هل قتل المرأة للانتقام لشرف العائلة جائز إذا اكتشفوا أنها أخطأت وارتكبت الزنا مع شخص أو أن لها علاقة مع غير محارمها ولم تثبت كاملة ؟
وإن لم يكن كذلك نرجو إيراد الآيات والأحاديث التي تبين ذلك وتبين أنه غير جائز بدون إرسال القضية إلى المحكمة الشرعية .
هل حدثت مثل هذه الأمور على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؟.

الجواب

الحمد لله.

إن من أعظم الكبائر التي يلقى العبد بها ربَّه قتل النفس التي حرَّم الله .

قال الله تعالى : ومن يقتل مؤمنا متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدَّ له عذاباً عظيماً النساء / 92 .

عن أنس رضي الله عنه قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكبائر ، قال : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس ، وشهادة الزور " . رواه البخاري ( 2510 ) ومسلم ( 88 ) .

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصب دماً حراماً " . رواه البخاري ( 6469 ) .

ولا يجوز قذف المحصنات بالزنا ، ولا يثبت الزنا إلا بشهادة أربعة رجال يرون واقعة الزنا رأي العين ، ويرون الفرْج في الفرْج ، أو باعتراف الزاني أو الزانية بغير إكراه .

وما عدا ذلك فمن قذف امرأة مسلمة بالزنا فإنه يجلد ثمانين جلدة .

قال تعالى والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون النور / 4 .

وعن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما أنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " … اغدُ يا أُنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ، قال : فغدا عليها فاعترفت فأمرَ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرُجمت " . رواه البخاري ( 2575 ) ومسلم ( 1698 ) .

وقد جعل الله تعالى عقوبة محدودة للزاني والزانية ، فجعل حدَّ الرجم للمحصن منهما ، وجلد مائة لمن لم يحصن .

قال تعالى : الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين النور / 2 .

وعن جابر أن رجلا من " أسلَم " أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فقال إنه قد زنى ، فأعرض عنه ، فتنحى لشقه الذي أعرض ، فشهد على نفسه أربع شهادات ، فدعاه فقال : " هل بك جنون ؟ " قال : لا ، قال : " هل أحصنت ؟ " قال : نعم فأَمر به أن يرجم بالمصلى فلما أذلقته الحجارة جمز حتى أدرك بالحرة فقتل . رواه البخاري ( 4969 ) ومسلم ( 1691 ) .

فإن قيل من هو الذي يقيم هذا الحد على الزناة ؟

فالجواب :

لا ينبغي لأحد أن يقيم الحدود إلا بإذن السلطان ، فإن لم يكن سلطان يحكم بالشرع فلا يجوز لعامة الناس أن تقيم الحدود ، ومن فعل ذلك أثم ، لإن إقامة الحد يحتاج في إثباته وإقامته إلى اجتهاد وعلم شرعي حتى يُعلم متى يثبت ومتى ينتفى وما هي شروطه ... إلخ

وعامة الناس لا يعلمون ذلك ، ولأن إقامة العامة للحدود يترتب عليها مفاسد عظسمة وإخلال بالأمن ، فيعتدي الناس بعضهم على بعض قتلاً وتقطيعاً بحجة إقامة الحدود .

قال القرطبي :

لا خلاف أن القصاص في القتل لا يقيمه إلا أولو الأمر الذين فرض عليهم النهوض بالقصاص وإقامة الحدود وغير ذلك لأن الله سبحانه خاطب جميع المؤمنين بالقصاص ثم لا يتهيأ للمؤمنين جميعا أن يجتمعوا على القصاص فأقاموا السلطان مقام أنفسهم في إقامة القصاص وغيره من الحدود . " تفسير القرطبي " ( 2 / 245 ، 246 ) .

وقال ابن رشد القرطبي :

وأما من يقيم هذا الحد – أي : جلد شارب الخمر - فاتفقوا على أن الإمام يقيمه وكذلك الأمر في سائر الحدود . " بداية المجتهد " ( 2 / 233 ) .

وقال الشوكاني :

عن أبي الزناد عن أبيه عن الفقهاء الذين ينتهي إلى أقوالهم من أهل المدينة أنهم كانوا يقولون لا ينبغي لأحد يقيم شيئاً من الحدود دون السلطان إلا أن للرجل أن يقيم حد الزنا على عبده وأمَته . " نيل الأوطار " ( 7 / 295 ، 296 ) .

وعلى أهل المرأة أن يمنعوها من الفاحشة وأسبابها فيمنعوها من الخروج ومحادثة الرجال الأجانب ، ومن كل ما يُمكنها من فعل المنكر فإذا لم تمتنع إلا بحبسها أو تقييدها فلهم ذلك فيحبسونها في البيت .

أما القتل فلا ، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن امرأة مزوَّجة ولها أولاد فتعلقت بشخصٍ أقامت معه على الفجور ، فلما ظهر أمرها سعَت فى مفارقة الزوج ، فهل بقيَ لها حق على أولادها بعد هذا الفعل ؟ وهل عليهم إثم في قطعها ؟ وهل يجوز لمن تحقق ذلك منها قتلها سرّاً ؟ وإن فعل ذلك غيره يأثم ؟

فأجاب :

الواجب على أولادها وعصبتها أن يمنعوها من المحرمات ، فإن لم تمتنع إلا بالحبس : حبسوها ، وإن احتاجت إلى القيد قيَّدوها ، وما ينبغي للولد أن يضرب أمََّه ، وأمَّا برُّها : فليس لهم أن يمنعوها برَّها ، ولا يجوز لهم مقاطعتها بحيث تتمكن بذلك من السوء ، بل يمنعوها بحسب قدرتهم ، وإن احتاجت إلى رزق وكسوة رزقوها وكسوها ، ولا يجوز لهم إقامة الحد عليها بقتلٍ ولا غيره ، وعليهم الإثم في ذلك .

" مجموع الفتاوى " ( 34 / 177 ، 178 ) .

وقد حصل أن زنت بعض النسوة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يقتل أحدٌ من أهلهن امرأة منهن ، ومنهن " الغامدية " رضي الله عنها .

عن بريدة بن الحصيب قال : … جاءت امرأة من غامد من الأزد فقالت : يا رسول الله طهرني ، فقال : ويحك ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه ، فقالت : أراكَ تريد أن تردَّني كما رددتَ ماعز بن مالك ، قال : وما ذاك ؟ قالت : إنها حبلى من الزنى فقال : آنت ؟ قالت : نعم فقال لها : حتى تضعي ما في بطنك ، قال : فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت ، قال : فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال : قد وضعت الغامدية فقال : إذاً لا نرجمها وندع ولدها صغيراً ليس له من يرضعه فقام رجل من الأنصار فقال : إلي رضاعه يا نبي الله قال : فرجمها .

رواه مسلم ( 1695 ) .

هذا ، وإن ما يفعله أهل هذه المرأة المسئول عنها التي يدَّعون أنها تستحق القتل : خطأ من وجوه أخرى وهي :

1- أنهم لا يفعلون الأمر نفسه فيما لو زنى أحد أبنائهم أو إخوانهم ، وهذا يشبه فعل أهل الجاهلية حيث أباحوا لأنفسهم الزنا دون نسائهم ، وهؤلاء يُلوَّث شرفهم وتظهر حميتهم إذا فعلت نساؤهم المنكر دون أن يكون عندهم حمية لدينهم فيما لو فعل أحد أبنائهم أو إخوانهم الأمر نفسه ، بل قد يفتخر بعض الآباء بمنكر ولده ، ويشجعه عليه .

2- أنهم فتحوا المجال أمام النساء للوقوع في الفاحشة فسمحوا للمرأة بالدراسة المختلطة والصحبة السيئة والمشاهدة المحرمة والمجالسة المنكرة ، فأدى هذا إلى تلف قلبها وتعلقه بالفاحشة ، وبعضهم لا يزوِّج ابنته أو أخته ويشترط شروطاً تعجيزية .

3- أنهم يقتلون لا على فاحشة الزنا بل حتى على مجرد المحادثة أو التعارف المحرم والذي ليس له حد في الشرع بالقتل .

4- أنهم يفتحون الباب لكل من أراد قتل أخته أو ابنته بهذه الحجة الفارغة ، وقد يكون سبب القتل : مالها ، أو أنها عرفت عنهم أشياء يرغبون إخفائها أو ما شابه ذلك من الأسباب .

والواجب على أولياء النساء أن يتقوا الله فيمن تحت ولايتهم ويمنعوا هن من الفاحشة وأسبابها من غير تساهل أو تشدد يأباه الشرع .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب