الحمد لله.
بر الوالدين من أعظم القربات ، وأولى الطاعات ، وهو حق معظم لهما في شريعة الإسلام ، حتى قرن الله سبحانه وتعالى في أكثر من موضع طاعته بطاعتهما ، وحقَّه بحقِّهما .
يقول الله سبحانه وتعالى :
( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ) لقمان/14
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (5/171) : " قال العلماء : فأحق الناس بعد الخالق المنان بالشكر والإحسان والتزام البر والطاعة له والإذعان من قرن الله الإحسان إليه بعبادته وطاعته وشكره بشكره وهما الوالدان فقال تعالى : أن اشكر لي ولوالديك لقمان : 14 .
...عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رضى الرب في رضى الوالدين وسخطه في سخط الوالدين " [ قال الألباني : حسن لغيره ] .
والتصريح بشكر الوالدين والاعتراف بفضلهما وقدرهما لا شك أنه داخل في معنى الآية ، ولكن لا ينبغي فهم الآية على ذلك فقط ، فيظن أن من قال "الشكر لوالدي" قد أدى ما عليه ، بل حقيقة الشكر أعظم وأعلى من ذلك ، بل المراد بالشكر ما هو أعم من ذلك ؛ أن يقوم العبد بحق ربه عليه بقلبه ولسانه وجوارحه ، وهكذا يقوم بحق والديه عليه من ذلك .
قال ابن القيم رحمه الله في "مدارج السالكين" (2/244-246) :
" والشكر مبني على خمس قواعد :
خضوع الشاكر للمشكور ، وحبه له ، واعترافه بنعمته ، وثناؤه عليه بها ، وأن لا يستعملها فيما يكره .
فهذه الخمس : هي أساس الشكر وبناؤه عليها ، فمتى عدم منها واحدة : اختل من قواعد الشكر قاعدة ، وكل من تكلم في الشكر وحده فكلامه إليها يرجع وعليها يدور .
والشكر يكون : بالقلب خضوعا واستكانة ، وباللسان ثناء واعترافا ، وبالجوارح طاعة وانقيادا " انتهى .
وفي تفسير هذه الآية ، يقول الشيخ السعدي رحمه الله : " ولما أمر بالقيام بحقه، بترك الشرك الذي من لوازمه القيام بالتوحيد، أمر بالقيام بحق الوالدين فقال: وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ أي: عهدنا إليه، وجعلناه وصية عنده، سنسأله عن القيام بها، وهل حفظها أم لا؟ فوصيناه بِوَالِدَيْهِ وقلنا له: اشْكُرْ لِي بالقيام بعبوديتي، وأداء حقوقي، وأن لا تستعين بنعمي على معصيتي. وَلِوَالِدَيْكَ بالإحسان إليهما بالقول اللين، والكلام اللطيف، والفعل الجميل، والتواضع لهما، [وإكرامهما] (5) وإجلالهما، والقيام بمئونتهما واجتناب الإساءة إليهما من كل وجه، بالقول والفعل.
فوصيناه بهذه الوصية، وأخبرناه أن إِلَيَّ الْمَصِيرُ أي: سترجع أيها الإنسان إلى من وصاك، وكلفك بهذه الحقوق، فيسألك: هل قمت بها، فيثيبك الثواب الجزيل؟ أم ضيعتها، فيعاقبك العقاب الوبيل؟ " انتهى [ التفسير 648 ] .
فلا حرج على من قرن شكر الله تعالى بشكر الوالدين ، وجمع بينهما في مقام واحد ، لكن لا ينبغي أن يلتزم ذلك دائما كما يلتزم الذكر الوارد بلفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وفي موقعنا العديد من الإجابات التي تبين أمر بر الوالدين ، انظر :
(13783) ، (22782) ، (35533)
والله أعلم .
تعليق