الأربعاء 12 جمادى الأولى 1446 - 13 نوفمبر 2024
العربية

حكم شراء البضاعة المسروقة وانتقالها لغير المشتري

السؤال

والدي اشترى ماكينات من كافر مع علمه بأنها مسروقة ، فما رأي الشرع في ذلك ؟ وما حكم الشرع في مال أخذته منه واستعملته في التجارة ؟

الجواب

الحمد لله.

أولاً :
لا يجوز شراء البضائع المسروقة – ولو سرقت من كفار - ، وهي من المال المحرَّم لعينه ، والذي لا يحل لأحدٍ أن يتملكه ولو بطريق مشروعة كالشراء والهبة والميراث .
والواجب على من علم أن ما سيشتريه مسروق أن يُنكر على السارق ، ويأمره بالتوبة من السرقة ، ورد البضاعة إلى أصحابها ، وأن يحاول إرجاع البضاعة إلى أصحابها إن تمكن من ذلك وعلِم أعيانهم ، أو يخبرهم بمكان بضاعتهم المسروقة ، أو يخبر الجهات المسئولة عن ذلك .
ومن اشترى بضاعة وهو يعلم أنها مسروقة : أثِم ، ومن تمام توبته إرجاع البضاعة لأصحابها ، والرجوع بالثمن على من باعه إياها .
والشراء من السارق فيه إعانة على الإثم والعدوان ، وتشجيع للسارق بالاستمرار على فعله ، وفيه ترك لإنكار المنكر ، كما أن من شروط صحة البيع ملك البائع لما يبيعه ، فإن كان سارقاً فهو غير مالك ، وهذا موجب لبطلان العقد .
وهذه فتاوى أهل العلم فيما سبق :
1. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" الأموال المغصوبة والمقبوضة بعقود لا تباح بالقبض إن عرفه المسلم : اجتنبه ، فمن علمتُ أنه سرق مالاً ، أو خانه في أمانته ، أو غصبه فأخذه من المغصوب قهراً بغير حق : لم يجز لي أن آخذه منه ، لا بطريق الهبة ، و لا بطريق المعاوضة ، و لا وفاء عن أجرة ، ولا ثمن مبيع ، و لا وفاء عن قرض ، فإن هذا عين مال ذلك المظلوم " انتهى .
" مجموع الفتاوى " ( 29 / 323 ) .
2. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً :
"وإن كان الذي معهم – أي : التتار - أو مع غيرهم أموال يعرف أنهم غصبوها من معصوم : فتلك لا يجوز اشتراؤها لمن يتملكها ، لكن إذا اشتُريت على طريق الاستنقاذ لتصرف في مصارفها الشرعية فتعاد إلى أصحابها إن أمكن ، وإلا صرفت في مصالح المسلمين : جاز هذا" انتهى .
" مجموع الفتاوى " ( 29 / 276 ) .
3. وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
"إذا تيقن الإنسان من كون السلعة المعروضة للبيع أنها مسروقة ، أو مغصوبة ، أو أن مَن يعرضها لا يملكها ملكاً شرعيّاً ، وليس وكيلاً في بيعها : فإنه يحرم عليه أن يشتريها ؛ لما في شرائها من التعاون على الإثم والعدوان ، وتفويت السلعة على صاحبها الحقيقي ؛ ولما في ذلك من ظلم الناس ، وإقرار المنكر ، ومشاركة صاحبها في الإثم ، قال الله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) المائدة/2 .
وعلى ذلك ينبغي لمن يعلم أن هذه السلعة مسروقة أو مغصوبة أن يقوم بمناصحة من سرقها برفق ولين وحكمة ليرجع عن سرقته ، فإن لم يرجع وأصر على جرمه : فعليه أن يبلغ الجهات المختصة بذلك ليأخذ الفاعل الجزاء المناسب لجرمه ، ولرد الحق إلى صاحبه ، وذلك من باب التعاون على البر والتقوى ؛ ولأن في ذلك ردعا للظالم عن ظلمه ، ونصرة له وللمظلوم .
ولذلك ثبت في الحديث الذي رواه أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( انصر أخاك ظالما أو مظلوما ) قالوا : يا رسول الله : هذا ننصره مظلوماً ، فكيف ننصره ظالماً ؟ قال : ( تأخذ فوق يديه ) أخرجه البخاري في صحيحه وأخرج الإمام أحمد في " المسند " نحوه ، وفي رواية أخرى : فقال رجل : يا رسول الله : أنصره إذا كان مظلوماً ، أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره ؟ قال : ( تحجزه عن الظلم ، فإن ذلك نصره ) .
وعلى ذلك : فإن نصر الظالم بردعه عن ظلمه ، واعتدائه ، ونصر المظلوم بالسعي في رد حقه عليه ، ومنع الظالم من تمكينه من إيذائه هو فرض كفاية ، فإذا لم يوجد من يقوم بذلك بصفة رسمية ، أو من هو أقوى منه في الأخذ على يد الظالم والعاصي لله ، وردعه عن ظلمه وجرمه : تعين الأمر عليه حسب قدرته واستطاعته ، مع الرفق واللين ، وله الأجر والثواب على ذلك ، إن شاء الله تعالى" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 13 / 82 ، 83 ) .
4. وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
عُرض عليَّ سلعة اتضح لي أنها مسروقة ، غير أن الذي عرضها عليَّ لم يكن هو السارق وإنما اشتراها من شخص آخر اشتراها من السارق ، إذا اشتريتها مع علمي بذلك : فهل أكون آثماً ، مع أني لا أعلم صاحبها الذي سرقت منه ؟
فأجاب :
"الذي يظهر من الأدلة الشرعية : أنه لا يجوز لك شراؤها إذا اتضح لك أو غلب على ظنك أنها مسروقة ؛ لقول الله سبحانه : ( وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) ؛ ولأنك تعلم أو يغلب على ظنك أن البائع ليس مالكاً لها شرعاً ، ولا مأذوناً له شرعاً في بيعها ، فكيف تعينه على ظلمه فتأخذ مال غيرك بغير حق ، نعم إذا أمكن شراؤها للاستنقاذ وردها إلى مالكها : فلا بأس ، إذا لم يتيسر أخذها بالقوة ، وعقوبة الظالم ، أما إذا أمكن أخذها بالقوة وعقوبة الظالم بعقوبته الشرعية : فهذا هو الواجب للأدلة المعلومة من الحديث ( انصر أخاك ظالما أو مظلوماً ... ) الحديث" انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 19 / 91 ، 92 ) .
ثانياً :
وأما أخذك المال من والدك فلا حرج في ذلك ، لأن من اختلط ماله ، فكان فيه الحرام والحلال لا حرج من معاملته بالبيع والشراء والهبة والقرض ونحو ذلك ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل مع اليهود وهم أكلة الربا والمال الحرام .
ولكن إذا كان المال الذي تأخذه من والدك هو نفس المال المسروق فإن هذا لا يحل لوالدك ولا لك .
وأخيرا .. ينبغي عليك نصح والدك بتحري الحلال وتجنب الحرام فإن كل جسم نبت من حرام فالنار أولى به .
نسأل الله تعالى أن يغنيكم بحلاله عن حرامه وبفضله عمن سواه .
والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب