الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

تستغل القوانين الوضعية لمنع زوجها من الزواج

السؤال

امرأة مسلمة متحجبة طلقها زوجها لفظا في سويسرا. بعدها مباشرة لجأت هذه المرأة إلى القضاء السويسري وطلبت الانفصال وحصلت على أكثر من نصف راتب الزوج شهريا . مع العلم أن هذه المرأة لا تعمل وتحضن ابنتها التي يبلغ عمرها 4 سنوات. حسب القانون السويسري فهذا الحكم ليس طلاقا . فالطلاق لا يحصل إلا باتفاق من الزوجين أو بعد انقضاء عامين ابتداء من تاريخ الانفصال. فبعد مرور أكثر من سنة وهذه المرأة تأخذ أكثر من حقها ولا تزال ترفض اتفاقية الطلاق حتى تمنع بذلك زوجها الذي طلقها من الزواج بامرأة أخرى. 1- هل اللجوء إلى القضاء السويسري بحجة أنه يجب التحاكم إلى قوانين البلد الذي نعيش فيه وعدم الرجوع إلى الشريعة الإسلامية يعد صحيحا ؟ 2-علما بأن نفقة البنت على أبيها, فهل يجب على هذا الزوج نفقة ومسكن هذه المرأة بعدما انقضت عدتها منذ أكثر من سنة؟ ومتى ينتهي وجوب هذه النفقة؟ 3- ما هو حكم هذه المرأة التي تستغل القوانين السويسرية لمنع الزوج من الزواج بأخرى بالرغم من انه قد طلقها منذ أكثر من سنة؟

الجواب

الحمد لله.


لا يجوز التحاكم إلى غير شريعة الله عز وجل لقول الله سبحانه : ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) النساء /65 .
قال ابن كثير رحمه الله : " يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة: أنه لا يؤمن أحد حتى يُحَكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنا وظاهرا ؛ ولهذا قال : ( ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) أي: إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجا مما حكمت به، وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليما كليا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة، كما ورد في الحديث: ( والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ) انتهى . تفسير ابن كثير (1/532)
وقال ابن عثيمين رحمه الله : "فهذا إقسام مؤكد بـ(لا)، وإقسام بأخص ربوبية من الله عز وجل لعباده ـ وهي ربوبية الله للرسول ـ على نفي الإيمان عمن لم يقم بهذه الأمور:
الأول: تحكيم الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقوله: ( حتى يحكموك ) ، فمن طلب التحاكم إلى غير الله ورسوله، فإنه ليس بمؤمن، فإما كافر كفراً مخرجاً عن الملة، وإما كافر كفراً دون ذلك.
الثاني: انشراح الصدر بحكمه، بحيث لا يجدون في أنفسهم حرجاً مما قضى، بل يجدون القبول والانشراح لما قضاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
الثالث: أن يسلموا تسليماً، وأكد التسليم بمصدر، يعني: تسليماً كاملاً.
فاحذر أيها المسلم أن ينتفي عنك الإيمان" انتهى .
انظر : "شرح الواسطية" لابن عثيمين صفحة ص181/182
فالواجب على هذه الأخت والتي ظهر من السؤال أن فيها خيراً كثيراً وعلامة ذلك التزامها بالحجاب ، الواجب عليها أن ترجع إلى من يحكم بينها وبين مطلقها بشرع الله عز وجل وقد بينا كيف يفعل ذلك في البلاد التي هم فيها وما شاكلها في جواب السؤال رقم (4044) فليرجع إليه ففيه ما يكفي إن شاء الله .
ونحن ننصح ببذل المزيد من محاولة الإصلاح والتقريب لإعادة الزواج ففي ذلك مصلحة ابنتهما .
وأما الجواب عن المسائل التي وردت في السؤال:
أولا : الطلاق يقع بتلفظ الزوج به ولا يحتاج إلى حكم حاكم شرعي فضلا عن غيره ممن لا يحكم بما أنزل الله .
ثانيا : لا يجوز اللجوء إلى القوانين الوضعية لمنع الرجل مما أباحه الله له وفي ذلك تعد عليه وظلم له فلتتق الله هذه الأخت ولتعلم بأن الظلم ظلمات يوم القيامة .
ثالثا : المطلقة بعد انقضاء عدتها لا نفقة لها ولا سكنى قال ابن قدامة في "المغني" (7/145) : " السُّكْنَى وَالنَّفَقَةَ إنَّمَا تَجِبُ لِمَرْأَةٍ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ " انتهى .
رابعا : إذا علم أنه لا نفقة لها ولا سكنى فما تأخذه من الرجل بحكم القانون بغير طيب نفس منه حرام لقول الله سبحانه وتعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ) النساء/29 .
ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) رواه مسلم فعليها أن ترده إليه أو تستسمحه .
خامسا : حضانة البنت قبل أن تبلغ سبع سنين حق لأمها ما دامت مسلمة مؤتمنة عليها ولم تتزوج ، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (8/190) : " الزوجان إذا افترقا , ولهما ولد طفل أو معتوه , فأمه أولى الناس بكفالته إذا كملت الشرائط فيها , ذكرا كان أو أنثى , وهذا قول يحيى الأنصاري , والزهري , والثوري , ومالك , والشافعي , وأبي ثور , وإسحاق , وأصحاب الرأي , ولا نعلم أحدا خالفهم" انتهى .
سادسا : نفقة البنت واجبة شرعا على أبيها وإن كانت في حضانة أمها ، لما رواه البخاري ومسلم عن عائشة أن هند بنت عتبة قالت : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم فقال: ( خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) . ففيه أن نفقة الأولاد واجبة على أبيهم ، وأن النفقة مقدرة بالكفاية ، فليس لها أن تأخذ أكثر مما يكفيها .
والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب