الحمد لله.
أولاً :
اعلم يا أخي السائل أن هذه البلية من أعظم البلايا ، واعلم أنها قد تُهلك صاحبها ، تصيبه في عقله فيصير مجنوناً ، وتصيبه في بدنه فينقلب مريضاً ، وتصيبه في دينه فيهلك ، ويختم له بشر ، فالحذر الحذر من الاستمرار على هذا الأمر ، وابذل جهدك مستعيناً بربك للتخلص منه ، وانظر في حال من أصيب به لتعتبر .
قال ابن القيم رحمه الله :
" ويروى أن رجلاً عشق شخصاً ، فاشتد كلفه به ، وتمكن حبه من قلبه ، حتى وقع ، ألماً به ، ولزم الفراش بسببه ، وتمنَّع ذلك الشخص عليه ، واشتد نفاره عنه ، فلم تزل الوسائط يمشون بينهما حتى وعده أن يعوده ، فأخبر بذلك البائس ، ففرح ، واشتد سروره ، وانجلى غمه ، وجعل ينتظر للميعاد الذي ضربه له ، فبينا هو كذلك إذ جاءه الساعي بينهما فقال : إنه وصل معي إلى بعض الطريق ورجع ، فرغبت إليه وكلمته ، فقال : إنه ذكرني ، وفرح بي ، ولا أدخل مداخل الريب ، ولا أعرِّض نفسي لمواقع التهم ، فعاودته ، فأبى ، وانصرف ، فلما سمع البائس ذلك أُسقط في يده ، وعاد إلى أشد مما كان به ، وبدت عليه علائم الموت ، فجعل يقول فى تلك الحال :
أسلم يا راحة العليل ... ويا شفاء المدْنَف النحيل
رضاك أشهى إلى فؤادي ... من رحمة الخالق الجليل !!
فقلت له : يا فلان اتق الله ، قال : قد كان !!
فقمت عنه ، فما جاوزت باب داره حتى سمعت صيحة الموت !
فعياذاً بالله من سوء العاقبة ، وشؤم الخاتمة " انتهى .
" الجواب الكافي " ( ص 117 ) .
فما رأيك أخي السائل ؟ هل يتمنى مسلم عاقل أن يموت كما مات ذلك العاشق البائس ، والذي جعل رضا محبوبه مقدَّماً على رضا خالقه الذي خلقه وصوره ورزقه وهداه للإسلام ، وأسبغ عليه نِعَمه ظاهرة وباطنة ؟! فإن قلت إنك لا تتمنى ذلك – وهذا هو الظن بك - : فينبغي أن تعلم أنك سائر على طريقه ، وأنه قد يصيبك ما أصابه إن لم تتدارك نفسك .
واعلم أن هذا أول طريقٍ سلكه قوم لوط ، وهو العشق للمردان ، ولذا عاقبهم الله تعالى بما لم يعاقب به أمَّة قبلهم ولا بعدهم ، فقلب الله تعالى ديارهم ، وخسف بهم ، ورجمهم بالحجارة ، وطمس أعينهم .
قال ابن القيم رحمه الله في بيان أنواع العشق :
"وعشقٌ هو مقتٌ عند الله وبُعدٌ من رحمته ، وهو أضر شيءٍ على العبد في دينه ودنياه : وهو عشق المردان ، فما ابتليَ به إلا مَن سقط مِن عين الله ، وطرد عن بابه ، وأبعد قلبه عنه ، وهو من أعظم الحُجب القاطعة عن الله ، كما قال بعض السلف : إذا سقط العبد مِن عين الله ابتلاه بمحبة المردان ، وهذه المحبة هي التي جلبت على قوم لوط ما جلبت ، وما أوتوا إلا مِن هذا العشق ، قال الله تعالى : ( لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون ) " انتهى .
" الجواب الكافي" ( ص 173 ، 174 ) .
ثانياً :
واعلم أن هذا البلاء له أسباب ، وهذه الأسباب من كسبِ المبتلى نفسه ، فمن أراد النجاة مما هو فيه : فليقف على هذه الأسباب ، وليتخلَّص منها ، وإلا فهو راضٍ عن حاله ، ولا يريد تحولاً إلى ما هو خير ، ومن هذه الأسباب التي هي من فعله :
1. ضعف الإيمان ، وبُعد القلب عن حب الله تعالى ، وقلة الخوف من عقابه .
2. إطلاق النظر للمردان ، والتمتع بجمالهم وهيئتهم .
وهذا هو أول طريق المعصية التي سلكها هذا المبتلى ، وقد أمره ربه تعالى بغض بصره عن المحرمات ، وكذا أمره نبيه صلى الله عليه وسلم ، فلما ترك الأمر ووقع في النهي : أدخل إبليس سهمه المسموم في قلبه ، فقضى عليه .
قال ابن القيم رحمه الله :
"والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان ؛ فإن النظرة تولِّد خطرة ، ثم تولد الخطرة فكرة ، ثم تولِّد الفكرة شهوة ، ثم تولِّد الشهوة إرادة ، ثم تَقوى فتصير عزيمة جازمة ، فيقع الفعل ولا بد ، ما لم يمنع منه مانع ، وفي هذا قيل : " الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده " .
"الجواب الكافي" ( ص 106 ) .
ومن هنا فإن العلماء قد حرموا النظر إلى الأمرد ، بل إن بعضهم جعله أكثر حرمة من النظر للنساء .
قال النووي رحمه الله :
"وكذلك يحرم على الرجل النظر إلى وجه الأمرد إذا كان حسن الصورة ، سواءً كان بشهوةٍ أم لا ، سواءً أمن الفتنة أم خافها ، هذا هو المذهب الصحيح المختار عند العلماء المحققين ، نص عليه الشافعي ، وحذاق أصحابه - رحمهم الله تعالى - ، ودليله : أنه في معنى المرأة ، فإنه يُشتهى كما تشتهى ، وصورته في الجمال كصورة المرأة ، بل ربما كان كثيرٌ منهم أحسن صورةً من كثيرٍ من النساء ، بل هم في التحريم أولى لمعنى آخر : وهو أنه يتمكن في حقهم من طرق الشر ما لا يتمكن مثله في حق المرأة" انتهى .
" شرح مسلم " ( 4 / 31 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"والنظر إلى وجه الأمرد لشهوة كالنظر إلى وجه ذوات المحارم ، والمرأة الأجنبية بالشهوة ، سواء كانت الشهوة شهوة الوطء ، أو شهوة التلذذ بالنظر ، فلو نظر إلى أمِّه ، وأخته ، وابنته يتلذذ بالنظر إليها كما يتلذذ بالنظر إلى وجه المرأة الأجنبية : كان معلوماً لكل أحدٍ أن هذا حرام ، فكذلك النظر إلى وجه الأمرد باتفاق الأئمة" انتهى .
" مجموع الفتاوى " ( 15 / 413 ) و ( 21 / 245 ) .
وقال - رحمه الله – أيضاً - :
ومن كرَّر النظر إلى الأمرد ونحوه ، أو أدامه ، وقال : إني لا أنظر لشهوة : كذب في ذلك ، فإنه إذا لم يكن معه داع يحتاج معه إلى النظر : لم يكن النظر إلا لما يحصل في القلب من اللذة بذلك ، وأما نظرة الفجأة فهي عفو إذا صرف بصره .
" مجموع الفتاوى " ( 15 / 419 ) و ( 21 / 251 ) .
ومن النظر الذي ابتلي به هؤلاء المرضى : ما يشاهدونه في القنوات الفضائية ، والصحف والمجلات ، ومواقع الإنترنت من صور الأطفال والشباب المردان ، وهو ما يهيجهم على الفاحشة .
3. التقصير في الواجبات والنوافل .
ولو أن هذا المبتلى أدى الصلوات في أوقاتها ، وبشروطها وواجباتها : لكانت ناهية له ورادعة عن الوقوع في الفحشاء والمنكر ، قال تعالى : ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ) العنكبوت/45 ، فكيف إذا حافظ على الرواتب والنوافل ؟! .
4. هجر القرآن ، وهجر قراءة كتب سير الصالحين وتراجم الأئمة .
وكتاب الله تعالى فيه الهدى والنور والشفاء ، فهو خير وقاية للمسلم من الوقوع في الآثام والمعاصي ، وهو خير علاج لمن وقع فيها .
وإذا قرأ في كتب الأئمة وتراجم العلماء : اتخذهم قدوة له ، وأنس بصحبتهم ، وترفع عن الرذائل والقبائح .
5. التقصير في طلب العلم .
فالعلم نور ، وبه يعرف الحلال فيفعله ، والحرام فيجتنبه ، وبه يتعرف على ربه تعالى ، على أسمائه وصفاته وأفعاله ، فيولِّد ذلك في قلبه حياء من ربه ، وحياء من ملائكته أن يقع في فاحشة قبيحة ، وبه يتعرف على أحوال العصاة وما أعده الله لهم من العقوبة .
6. كثرة الفراغ في حياة هؤلاء المبتلين .
ولو أنهم شغلوا أوقاتهم بالطاعة ، والرياضة ، والأعمال المباحة ، وطلب العلم : لما وجدوا أوقاتاً يصرفونها في التفكير في المحرمات فضلا عن فعلها .
7. اتخاذ أصدقاء السوء ، وجلساء الشر .
وقد شبَّه النبي صلى الله عليه وسلم جليس السوء بنافخ الكير ، فهو إما أن يحرق ثياب جليسه ، وإما أن يشم منه رائحة خبيثة .
8. ترك الزواج .
وقد خلق الله تعالى في الرجال شهوة طبيعية ، وجعلها تصريفها في النساء ، والطريق المباح لذلك هو الزواج ، ومن انتكست فطرته فإنها يصرفها في أمثاله من الذكور ، وينزل بذلك عن درجة البهائم ، فها هي البهائم التي خلقها الله تعالى أمامنا فهل رأينا ذكراً يعلو ذكراً ؟
ثالثاً :
ومن أراد علاج مرضه ، والتخلص من بلائه : فليبحث عن الأسباب التي أدَّت به للوقوع في المحرَّمات من النظر والخلطة والمصاحبة للمردان ، وليتخلص منها بتركها ، وعلاج دون ترك لسبب المرض علاج فاشل غير ناجح ، وهذه طرق العلاج لمن أراد التخلص من بلائه ، والسعي نحو تخليص نفسه من شرَك الشيطان ، والمشي في طريق رضا الرحمن ، ومنها :
1. تقوية الإيمان بالطاعات ، ومنها الصوم ، وتعمير القلب بمحبة الله ، واستشعار الخوف من عقابه .
2. منع نفسه من النظر للمردان بشهوة وبغير شهوة ، وترك مصاحبتهم والجلوس معهم مطلقاً ، وترك الخلوة بهم ، ولو لتدريس القرآن .
قال النووي رحمه الله :
"والمختار : أن الخلوة بالأمرد الأجنبي الحسن كالمرأة ، فتحرم الخلوة به حيث حرمت بالمرأة ، إلا إذا كان في جمع من الرجال المصونين" انتهى .
" شرح النووي " ( 9 / 109 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"وأما صحبة المردان ، وعلى وجه الاختصاص بأحدهم ، كما يفعلونه ، مع ما ينضم إلى ذلك من الخلوة بالأمرد الحسن ، ومبيته مع الرجل ، ونحو ذلك : فهذا من أفحش المنكرات ، عند المسلمين ، وعند اليهود والنصارى ، وغيرهم " انتهى .
" مجموع الفتاوى " ( 11 / 542 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
"قال شيخ الإسلام ابن تيمية : لا تجوز الخلوة بالأمرد ولو بقصد التعليم ؛ لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، وكم من أناس كانوا قتلى لهذا الأمرد فأصبحوا فريسة للشيطان والأهواء ، وهذه المسألة يجب الحذر منها" انتهى .
" الشرح الممتع " ( 1 / 294 ، 295 ) .
3. المحافظة على الصلوات في أوقاتها ، والحرص على فعل الرواتب والنوافل .
4. الالتزام بورد من القرآن يقرؤه ، والمحافظة على أذكار الصباح والمساء ، والنظر في كتب تراجم الأئمة وحياتهم .
5. طلب العلم ، قراءة وسماعاً ومشاهدة ، وهو أمرٌ واجب على المسلم أصلاً .
6. إشغال الوقت بالطاعة ، وبما هو مفيد لدينه ودنياه .
7. هجر الصحبة الفاسدة ، والبحث عن الصحبة الصالحة والتزامها مجالسةً واستفادة من علمهم وأخلاقهم .
8. السعي المباشر للزواج ؛ لإطفاء الشهوة بطريق مباح .
9. الاستعانة بالله تعالى بالدعاء أن يخلصه مما هو فيه من مرض وابتلاء .
10. التأمل في حال الواقعين في هذا العشق المحرَّم وما أدى بهم إلى الجنون والأمراض والردة – والعياذ بالله – .
قال ابن القيم :
ودواء هذا الداء الردي : الاستعانة بمقلِّب القلوب ، وصِدق اللجأ إليه ، والاشتغال بذِكْره ، والتعوض بحبِّه وقربه ، والتفكر بالألم الذي يعقبه هذا العشق واللذة التي تفوته به فتُرتب عليه فوات أعظم محبوبٍ وحصول أعظم مكروه ، فإذا قدِمت نفسه على هذا وآثرته : فليكبِّر على نفسه تكبير الجنازة ، وليعلم أن البلاء قد أحاط به .
"الجواب الكافي" ( ص 174 ) .
ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال رقم ( 27176 ) .
والله أعلم
تعليق