الحمد لله.
الغيبة بينها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ( ذكرك أخاك بما يكره ) فإن لم تكن فيه الصفة المكروهة ، كان ذلك بهتانا ، وكلاهما محرم .
روى مسلم (2589) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ قَالَ إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ ).
وعليه فتلفظك بألفاظ نابية في حق هذا الشخص ، في غيابه ، لا يخرج عن كونه غيبة أو بهتانا ، فالواجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى ، وأن تعزم على عدم العود لذلك ، ومن تمام توبتك أن تجتهد في إصلاح قلبك نحوه ، والاستغفار له ، وذكر محاسنه ، وبيان ما فيه من الخير أمام من ذكرته بالسوء عنده . وانظر جواب السؤال رقم (52807) .
وهذا إذا كان الكلام في غيبته ، وأما إذا كان في حال حضوره ، فهو من باب الشتم والسب والبذاءة ، وذلك محرم أيضا ، ما لم يكن قصاصا ، أي مقابلة للكلمة السيئة بمثلها دون تجاوز.
وذلك لقوله تعالى: ( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) الشورى/40- 43
ولما روى مسلم (2587) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالَا فَعَلَى الْبَادِئِ مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ ).
وقال في "سبل السلام" (2/675) : " دل الحديث على جواز مجازاة من ابتدأ الإنسان بالأذية بمثلها وأن إثم ذلك عائد على البادئ ; لأنه المتسبب لكل ما قاله المجيب إلا أن يتعدى المجيب في أذيته بالكلام فيختص به إثم عدوانه ; لأنه إنما أذن له في مثل ما عوقب به وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم .
وعدم المكافأة والصبر والاحتمال أفضل فقد ثبت أن رجلا سب أبا بكر رضي الله عنه بحضرته صلى الله عليه وآله وسلم فسكت أبو بكر والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد , ثم أجابه أبو بكر فقام النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له في ذلك فقال : إنه لما سكت أبو بكر كان ملك يجيب عنه فلما انتصف لنفسه حضر الشيطان أو نحو هذا اللفظ " قال تعالى : ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور " انتهى .
وأما أن – تقابل هذه الإساءة بالإحسان إليه بالقول والعمل ، والبر واللطف ، وتطيع الله فيه ، إذ عصاه فيك ، فذاك مقام أهل العزائم ، وأفراد الرجال .
قال الله تعالى : ( وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ *وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) فصلت/34-35 .
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى .
والله أعلم .
تعليق